الثلاثاء, 2 فبراير 2016
مقابلات وتقارير صحفية

قسم: مقابلات وتقارير صحفية
أضيف بتاريخ: 2 فبراير 2016
حوار مع وائل عادل مدير القسم الإعلامي لأكاديمية التغيير –  4 أبريل 2008
محمد غفاري ـ الجزيرة توك ـ القاهرة
 
كانت الدعوة الى الاضراب العام في مصر تشغل الناس قبل يومين وما زالت تبعاتها الى الآن ، و ما مر في هذا اليوم وتبعه في مدينة المحلة الكبرى من اضرابات واعتصامات للعمال وبينهم ورجال الأمن ، في ظل هذا الجو المشحون ، بحثت عن من يمكن ان يعطينا نبذة خبيرة عن الإضراب ، ماهيته وكيف يتم وكيف تحدد اهدافه كخطوة اولى في طريق احتجاجي يمر بعدة مراحل ، المهندس وائل عادل أحد مؤسسي مشروع اكاديمية التغيير ، تحدثت معه طويلا وتناقشنا حول الإضراب ، الفكرة والواقع و كان هذا الحوار ..
 
الجزيرة توك :كيف رأيت خلفية الدعوة الى إضراب عام في مصر وما رافقها من أوضاع سياسية ومعيشية ؟ ترى هل سينجح الإضراب ؟
 
ما حدث من حشد إعلامي تعبوي ليوم السادس من إبريل يعبر عن حالة قفز التجمعات العمالية والحركات الشبابية الجديدة على الحركات والأحزاب وسبقها، الموضوع له دلالات كثيرة أهم من فكرة نجاحه المباشر من عدمه. اليوم قطاعات من الجمهور لم تعد تؤمن بدور الأحزاب والحركات التقليدية في المجتمع وبالتالي تجاوزتها. إذن هذه الدعوة ليست فقط دعوة للإضراب ضد الحكومة، ولكنها إضراب عن السير وراء أجندات وأنماط فعل المعارضة التقليدية، والواقع السياسي يشكله أطرافه (الحكومة / المعارضة/ الأطراف الداعمة)، فإذا تغير أحد الأطراف (المعارضة) كان ذلك إيذاناً بتغير خارطة الفعل السياسي المصرية الداخلية، والسؤال الآن.. هل تسارع قوى المعارضة التقليدية لمحاولة التكيف مع تلك الخارطة الجديدة قيد التشكل؟ أم أنها ستصبح جزءاً من الواقع الملفوظ الجاري تغييره؟؟
 
 
الجزيرة توك : بالنظر إلى ما يجري حالياً، أنت ترى أن الأهم هو الفكرة وأن الناس بدأت بالتحرك لكن ليس مهماً الحكم على نجاح أول تجربة من عدمه ؟
 
حتى تحكم على النجاح والفشل من المهم أن ندرك مراحل التحول الاجتماعي، فأول مراحل التحول الاجتماعي هي ثورة الأفكار على القديم المألوف الذي ثبت عدم جدواه، دون قطيعة تامة مع الماضي، وثاني هذه المراحل مرحلة بناء القدرة على الفعل، أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة الفعل والتنفيذ، ويبدو أن المجتمع يمر الآن بمرحلتي ثورة الأفكار وبناء القدرة، ومهم لمن يقومون بهذا العمل أن يفهموا ذلك، أنهم الآن يعيدون تشكيل عقول أنفسهم أولاً والجماهير ثانياً حول الممكن والمستحيل، الصواب والخطأ، الحقوق والواجبات، السلطة والرقابة، كما أنهم يبنون قدرتهم بأعمال جزئية تحمل أهدافاً جزئية، فعمليات التغيير بحاجة إلى أناس تفكر بطريقة مختلفة، وفي مرحلة بناء القدرة يمكن أن تطرح وسائل جديدة تبهر الجمهور، والناس بطبعها تقلد، وسيلة ضاحكة ليست عبوسة تعكس فكرة المقاومة الحضارية ووسيلة يستطيع كثيرون المساهمة فيها، هنا يحتاج منظم النشاط إلى الإبداع، ووسائل بناء القدرة ليست نفسها بالضرورة هي وسائل التغيير، أنا أقرأ كل هذا في سياق “تحرير العقول” و”بناء قدرة” المجتمع على التحول.

الجزيرة توك :لكن ملاحظ أن ما يجري الآن لا يقوده أحد، يعني هي تحركات من واقع الحياة، تنظم نفسها بدون منظم بيّن والجموع تسير في فلكها. 

بالأساس المجتمعات الحية تقوم بذلك، لأنها مجتمعات طبيعية، تخيل نفسك على شاطئ بحر وهناك شاب يغرق ويصرخ، فجأة ينظم مجتمع الشاطئ نفسه، شاب يقفز ينقذه، يطلع طبيب يسعفه، شاب آخر يمسك تليفونه ويكلم الإسعاف، هذا ليس بالعمل المنظم، وهذا تفاعل طبيعي على شاطئ البحر ليس غريباً أن يحدث في المجتمعات، هذا هو الأصل. المهم أن يسمع الناس صرخة الغريق بقوة، ويبدأ أحدهم في المبادرة للإنقاذ. لا شك أن هذه المقاربة شديدة التبسيط ولكنها أيضاً قريبة من الحقيقة.

 
الجزيرة توك :لكن هل يمكن أن تسير مثل هكذا تحركات من دون من يقودها أو يحدد وجهتها وهدفها بشكل رسمي واحد، أم ان هذا أمر يتشكل مع الوقت؟
 
مرحلة الولادة تخلق رموزها وقياداتها بشكل تلقائي وعندما يكون الهدف بناء قدرة المجتمع فهو يحتاج قدرات متنوعة، وفي مجالات كثيرة يصعب جداً تنظيمها في إطار واحد. إن علوم التغيير تبشر بأن المستقبل لمجموعات العمل، تحاول مجموعة كسر أحد الخطوط الحمراء فإن كسرته تحركت كل المجموعات إلى الأمام، وإلا فلم يخسر المجتمع سوى انكسار مجموعة. أي أن المجموعات تبني الجسور لبعضها البعض بشكل تلقائي دون قصد، مثلاً دعنا نقول أن الإضراب مجرّم في عرف دولة ما، وقامت مجموعة مغامرة بتحدي العرف، إما أن تهلك أو تكتشف أنه لا يوجد خط أحمر إلا في أوهام العقل، حينها ستتجرأ بقية المجموعات متقدمة، هذه المرحلة عادة ما تكون أفضل استراتيجياتها هي هذا التبعثر والعمل من خلال مجموعات غير مترابطة عضوياً وإن اشتركت في الهدف. كما أنك أمام قضية أخرى لا يملك أحد حيالها الحل اليقين حتى يقول اتبعوني، الآن الكل يجرب حتى يعثر على الوسيلة الذهبية، إذا أردت أن تجرب في وقت قصير فلتطلق العنان للمجتمع كي يتفاعل بأسلوبه ولا تقيده حتى تكتشف الوسيلة الذهبية، والناس بطبيعتها تقلد الناجح وليس الفاشل فعندما تطلق العنان للمحاولات تضمن أن يتعرف المجتمع على الوسائل الفاشلة فلا يقع في فخها، فإن فشلت مثلاً فكرة الإضراب سيعرف المجتمع أن خللاً ما في الوسيلة إما التوقيت أو أسلوب استخدامها..الخ، إنه مجتمع يمر بشكل طبيعي بمنحنى التعلم.
 
 
الجزيرة توك :لكن ما مدى إنتاج هذا في النهاية أم أنه ليس مهماً أن ننظر على إنتاجه في المراحل الأولى ؟
 
من المهم أن تحدد المرحلة التي يمر بها المجتمع حتى تحدد نتيجته، فأكثر الحركات السياسية يقودها فكرها السياسي التقليدي إلى “عمل جبهة”، وبالرغم من القيمة الرمزية للجبهة إلا أن تنسيق أو توحيد الفعل والخطاب ليس سوى إستراتيجية لها وقتها، والتبعثر أيضاً إستراتيجية لها وقتها، فعندما تستنهض مجتمعاً تحتاج مرونة وسرعة وتجربة فريدة خاصة عند مواجهة قوة مركزية ضخمة تستخدم القمع، عندها قد يكون التبعثر أفضل، هناك إستراتيجية اسمها التبعثر الفعال والتجمع السليم، وعندما تحين لحظة التجمع قد يكون التجمع كلياً أو جزئياً، قد يكون تجمع في مشروع أو أكثر. هذه كلها أدوات واستراتيجيات ملك المجتمع، التبعثر والتجمع، هذا إن قرر أن يخوض مقاومة محترفة.
 
 
الجزيرة توك : إذا أردنا ان نقف على نقاط واضحة تنبع من حركة احتجاجية ونحن نتحدث عن الإضراب، ماذا برأيك ؟ 
 
أولاً: يمكن قراءةهذا النشاط اللاعنيف كاختبار قوة، قوة حشد الجماهير، قوة تحديد هدف واضح، قوة إدارة النشاط، فلا يمكن لحركة لا عنيفة أن تنطلق بمشروع تغييري شامل قبل أن تختبر كل فترة قدرتها ومدى تجاوب الجماهير معها، وقياس رد فعل الطرف الآخر.

 ثانياً: أنه يفضل في بدايات العمل اللاعنيف أن يُدعى الجمهور لأنشطة لا تحمل أعباء وتكلفة عالية، بحيث يستطيع أن يشارك فيها أكبر قطاع دون أن يلحقه ضرر، فالامتناع عن العمل قد يشارك فيهالكثيرون، وهو عمل مؤلم لأي نظام، أما الدعوة إلى المشاركة في تظاهرة فقد لا تجتذب الكثير من الناس، وقد تلحق بالمشاركين أضراراً نفسية وجسدية كبيرة. ومن المهم جداً أن يتذوق الناس طعم الانتصار.

 ثالثاً: أن فكرة اللاعنف مهتمة بحماية الشرطة والجماهير على السواء، لذلك توفر استراتيجيات وتكتيكات للتعامل مع قوات الأمن على اعتبار أنها أحد الموارد المهمة للدولة التي يجب أن تنحازإلى الجمهور، فهي العصا الغليظ الذي يرهب بها النظام الديكتاتوري الجماهير. ومنالمهم ألا تيأس قيادات التغيير جراء ما ترى من بطش في مراحل الصراع الأولى، ففي مراحل متقدمة ووفق استراتيجيات واعية تنحاز قطاعات من الأمن للشعب، وهذا يحدث عادةفي المراحل الأخيرة من الصراع، ويأخذ أشكالاً متنوعة.

 

الجزيرة توك :هذا يقتضي بالأساس أن يكون هناك مجتمع واع..متى يمكن أن يصل المجتمع لهذه الدرجة أخذاً في الاعتبار الوضع الحاصل في مصر كمثال من واقع سياسي ومعيشي خانق، ما يجري من إضراب الآن ربما هو بداية تشكل مجتمع ناضج في العهد الحالي ؟

 

 يجب أن نميز بين الوعي الخاص والعام، فالمجتمعات بصفة عامة تحتاج إلى عقول استراتيجية تكون مرجعيتها، وفي الغالب هي التي تحدد اتجاه الفعل، فلن يكون كل المجتمع واع بنفس الدرجة، وكما تهتم المجتمعات ببناء أدوات التغيير من المهم أن تهتم بتأسيس عقولها الاستراتيجية، هذا يمكن أن نسميه الوعي الخاص الذي يشكل عقل المجتمع، أما بقية الأفراد فمن المهم تحرير عقولهم ليشعروا بإمكانية الفعل، والأحداث الجارية أقرأها في إطار تحرير العقول، لأن أول عائق أمام أي تغيير هو أوهام العقول، كلمة “مستحيل” ، الآن واضح أن تحرير العقول يعمل بشكل ما ونجاح مثل تلك الأعمال الناشئة سيكون في تحرير العقول من وهم المستحيل وترسيخ إمكانية الفعل من خلال أعمال رمزية تثبت أن هناك مجموعات قليلة ًقادرة على التأثير، فكيف لو تحرك المجتمع، المعركة الأولى دائماً في معارك التغيير هي تحرير العقول وأية قراءة لهذه الأحداث الآن في سياق التغيير الشامل لا يمكن اعتبارها قراءة دقيقة، وإنما تقرأ في إطار تغيير القناعات، ومن ثمارها أن تغير الحركات السياسية التقليدية قناعاتها عن سلبية الجمهور، هذا جزء من ثمار معركة تحرير العقول..”أم المعارك”

 

 الجزيرة توك : ونحن نشهد إضراباً في مصر، هو الأول من فترة طويلة والأضخم ربما، لا ندري شيئاً عن نسب المشاركة فيه، لكن كيف يمكن أن تجذب أكبر عدد إلى فعالية كتلك ؟

 

 أعتقد ليس المهم مشاركة أكبر عدد بقدر ما يحرص المنظمون على إثبات نجاحه من خلال المراهنة على التغطية الإعلامية القوية والمراهنة على قطاعات بعينها ذات تأثير، لأنه في بعض القطاعات مشاركة الجماهير ليست إلا عملاً معنوياً، أنت (المنظِّم) الآن توجه رسالة تجاه أربع فئات: 

لنفسك: قادرون على الفعل.. فلنواصل

للجماهير: قادرون على الفعل.. فلتنضموا إلينا ولنوسع نطاق الفعل

للنظام: قادرون على الفعل.. فلتحققوا مطالبنا

للمجتمع الدولي: قادرون على الفعل الحضاري.. نمتلك وعياً سياسياً وقضية عادلة فلا تخافونا

وللإعلام نصيب الأسد في توصيل هذه الرسائل وأقصد هنا إعلام المقاومة، أي أنك هنا لا تريد إسقاط النظام بمثل هذا النشاط، تريد إحياء الأمل لدى الجمهور، أعتقد هذا هو الهدف الممكن.

 

الجزيرة توك :ما الرسالة التي يمكن أن تفهمها السلطة الحاكمة من فعل كهذا على الأرض ؟

من المفترض أن تصل الرسالة التي خطط لها المضربون، فهذا سؤال يمكن الجواب عليه بعد أن نرى شكل الفعل ونقف على طبيعة الرسائل المتبادلة بين الأطراف الأربعة: المضربون والحكومة والجماهير والمجتمع الدولي.

 الجزيرة توك :طيب كيف ترى تعامل الحركات السياسية مع الإضراب ، ليس هناك من بيانات رسمية تدعو الى مشاركة في الاضراب أو شئ من هذا القبيل ؟

أعتقد أن هناك لبس في فهم معنى الإضراب، لأن الإضرابات تمس قطاعات معينة لا تمثل بالأحزاب، مثلاً قطاع الطلبة، قطاع المدرسين، العمال، أصحاب المحلات، نحتاج إلى التمييز بين الإضراب كأداة فعل، ومثلاً التظاهرة، الإضراب في النهاية تمارسه فئات معينة ليس باعتبار حزبي، بل باعتبار المهنة، ربما يعني البعض (حركات سياسية) أنها لن تشارك في فعاليات مصاحبة، وربما يعنون أنها لن تشارك في الإضراب نفسه هذا أمر يحتاج توضيح.

الأمر الثاني أنك أمام جيل جديد يشكل قواه الفاعلة الحقيقية، فأحياناً نتوهم أن القوى التقليدية السياسية هي التي ستشعل شرارة التغيير، لكن يمكن النظر في الكثير من تجارب التغيير مثل صربيا أن القوى القديمة كانت هي أيضاً سبب تكريس الحالة بأنانيتها ونمط فعلها وتضخم شعورها بالذات، بل أحياناً تكون هي ذاتها العقبة أمام التغيير، حينها تظهر قوى جديدة ناشئة مثل حركة أتبور في صربيا عام 2000، التي بدأت بمجموعة من الطلبة، غارت منها القوى التقليدية، ولم تجد بداً من مجاراتها ومشاركتها الفعل التغييري على طريقة الشباب. إذا نظرنا إلى قوى التغيير التقليدية وظللنا نتساءل عن دورها سنجد أننا لا نقرأ المستقبل، بل نبحث عن بقايا الماضي، المستقبل يصنعه جيل جديد ورموز جديدة ونمط فعل جديد. هؤلاء هم من يجب أن نبحث عنهم. ونرقب حركتهم.

 

الجزيرة توك :الآن النظام أصدر بيانات تحذر من أن أية تجمعات ستواجه بدعوى عدم الإخلال بأمن الطرق والمرور وعمل المؤسسات والمرافق ، رد فعل كهذا هل تعتقد أنه سيزيد من الإقبال على المشاركة، وسيساهم في تكوين فكرة أكبر عن الإضراب لدى من لم يكن يعلم عنه شيئاً هل ترى أنه جاء في صالح الإضراب بشكل ما ؟

كما ذكرت لك بحسب الهدف من الدعوة لهذا النشاط تستطيع تقييم النتيجة، قد يكون الهدف إثبات استمرارية الحيوية في المجتمع، قد يكون الهدف اختبار القوة، قوة الحشد، قوة العمل الإعلامي، قوة نظرية التبعثر، ومدى رد الفعل من الطرف الآخر، أما الحكومة فمن حقها أيضاً فعل ما تريد أم ستطلب منها الاستسلام في هدوء ؟؟، هذه ليست مفاجأة لمقاوم محترف، ليست وظيفة الحكومة دعم النشاط وإنجاحه، هي تمارس عملها على أكمل وجه كما تراه، تظل العين مركزة على الطرف الآخر، ماذا هو فاعل؟ وانتبه أنك في النهاية تتحدث عن إضراب لمدة يوم لا يمكن قراءته إلا في سياق العمل الرمزي أي أنه لن يسبب إيلاماً حقيقاً، أنا أقرأه تدريباً للمقاومة واختبار قوة، وهو بمثابة فكرة تحقيق نجاحات جزئية صغيرة تشجع الآخرين على الفعل.

 

 الجزيرة توك :ماذا عن تعامل الأمن مع هذه الاحتجاجات، كيف يمكن مواجهته وبأي طريقة ؟

 

 هذه نقطة مهمة وتتمثل بالخطاب الموجه للشرطة، من المهم رصده بحيث لا تعتبر الشرطة خصم، بالعكس يهدف التحول اللاعنيف إلى تحويل هذه الأداة لصالح الشعب لأن هذا الشرطي نفسه هو ممن يشكو غياب الخبز، القضية هنا داخل كل بيت، فمن المهم رصد كيف ستنجح المقاومة في التعامل مع الشرطة بشكل فعال وهذا في حد ذاته مشروع لا يقل أهمية عن مشاريع أنشطة الاحتجاج.

 

 الجزيرة توك : ما الذي يمكن أن يختلف قبل الإضراب وبعده، على الأقل بين الناس وفكرتهم عن العمل العام والشأن الجاري؟

 

 فكرة الممكن والمستحيل، أنت الآن ترى مرحلة ولادة مجتمع جديد، مجتمع يخلق قياداته ورموزه وأنماط فعله الجديدة، أنت الآن تشهد أفكاراً جديدة، وتشكل علاقات جديدة بين الحكومة والجماهير وقوى المعارضة، وتشهد فعلاً جديداً. باختصار .. أنت الآن تشهد مرحلة تركيب الأنياب والمخالب للمجتمعات، ربما لا تركب من أول مرة سيظل الأمر رهيناً بإصرار القيادات المهتمة بمثل هذا الشأن ، وبالمناسبة من الواضح أنها مخالب لا تمارس العنف، لكنها تسعى لتحول لا عنيف، أو بمعنى آخر حضاري.

 

 الجزيرة توك : إذا أردنا تلخيص أبرز الأفكار حول ما تحدثنا عنه وتحديدا عن إضراب مصر، ماذا تقول ؟؟

أقول أن ما يحدث في مصر لا يمكن قراءته بعيداً عن سياق التجارب الإنسانية التاريخية وطبيعة الأطوار التي مرت بها، ومن المهم جداً أن لا يُقرأ ما يجري في سياق التغيير الشامل.

يقرأ في سياق التدريب والمحاولة

يقرأ في سياق تحرير العقول

ولادة رموز جديدة في مجتمع

عمل نجاحات جزئية تشعر الناس بالقدرة على الفعل

ومهم جداً التمييز بين الإضراب كأداة وبين الفعاليات المصاحبة لها

 

 الجزيرة توك : تحدثت عن عمل نجاحات جزئية تشعر الناس بالقدرة على الفعل هذه النجاحات تتمثل مثلاً في أن يكون هناك تحرك مبدأي، أم نتيجة بعد الضغط على السلطة ؟

 

 يعني أنت عندما تكون في مجتمع ليست له خبرة في محاولات التغيير تحتاج أن تدعوه لأنشطة هي ناجحة ابتداء بنسبة كبيرة، فلا تدعوه لمغامرة، فإن حقق نجاحاً شعر بالقدرة على الفعل، من أكبر الأخطاء أن تُحمل طاولة الفعل السياسي أكثر مما تحتمل، هي مثلاً تتحمل الآن وزن 50 وأنت تريد وضع 100 لن تتحمل ستنكسر، فالقائد البارع سيبدأ بدعوة الناس لفعاليات يغلب في وعيها أنها ناجحة بحيث لا يصاب الجمهور بخيبة أمل، مثلاً لا يدعو لتحرك شعبي لأن هذا محال من أول مرة، يدعو فقط لتحرك قطاع معين، هذا ممكن فالحركة التغييرية أحيانا ًتطرح أطروحات هي فاشلة ابتداء من الجانب النظري، مراهنة على معجزة، فالناس تفقد الثقة فيها وفي نفسها ليس عندي علم بأهداف إضراب مصر، هل هو تجربة أم يراهن فعلاً على تجاوب عريض؟ لكن بنظرة سريعة أقول التدريب وتحرير العقول

 

 الجزيرة توك :أكيد أننا لن نجد رداً سريعاً على مطالب الإضراب وأهدافه ، لكن بم يتمثل النجاح بالنسبة لهكذا إضراب ؟

إضراب يوم هو أقرب للفعل الاحتجاجي، مهم أن نميز بين الاحتجاج والمقاومة، الاحتجاج أن تطرح مطالبك ثم تذعن في النهاية، أما المقاومة أن تطرح الوسائل التي تجبر خصمك على الاستجابة.

 الجزيرة توك : وهذا الإضراب بداية مقاومة ؟

هذا الإضراب يقرأ في سياق الاحتجاج، إن تطور وأصبح مؤلماً بحق يصبح مقاومة، أي أن الفكرة في النتيجة، أي عمل مهما بدا ضخماً لا يتجاوز أن يكون احتجاجاً، طالما أن محصلته هي الإذعان، وفي النهاية الاحتجاج أو المقاومة قرار، قرار القائمين على العمل ما هدفهم ؟ لسنا هنا بصدد القول هذا أفضل من ذاك لكننا نصف ما يحدث وفي النهاية إذا كان هدفك الاحتجاج وإبداء رأيك فحتماً ستنجح، إن أضرب عمال مصنع ما فقد أظهروا احتجاجهم ورفضهم للتجاوزات، هنا ستقول أنهم نجحوا، أما إن قالوا هدفنا استرداد حقوقنا سيتغير الكلام.

 

 الجزيرة توك : يعني أنت ترى الآن أن الهدف الأساس أو الثمرة الأكيدة، أنه سيكون تحريراً لإرادة الفعل لدى الناس، كخطوة أولى على طريق قادم ؟

نعم ، والتدريب، تدريب المنظمين نفسهم والجمهور المتفاعل خاصة أنه يبدو أنه يوجد فعاليات مع الإضراب، تدريب على السلوك الحضاري، على التنظيم و على إدارة الأزمات…الخ

ولا يجب أن يقرأ الموضوع بشكل أكبر من ذلك، لكن بصفة عامة بقراءة الـ3 سنوات السابقة، المشهد يتصاعد ومفردات لغة المقاومة تتطور، ثمة لغة جديدة تسري في الخطاب المقاوم، بل كيانات جديدة تولد من رحم المجتمع الطبيعي، مشبعة بهموم المجتمع، أي أننا نلحظ تشكل عصر جديد أعتقد أنه تحول من عصر الجماعات والكيانات الضخمة إلى عصر مجموعات العمل المناورة التي تبني الجسور، وهي بالمناسبة إستراتيجية يستخدمها التيار العنيف مثل القاعدة وطورها كذلك عالمياً التيار اللاعنيف، نحن الآن نشهد إرهاصات ولادة عصر التيار. عصر اللامركزية. عصر لعبت فيه وسائل الإعلام والاتصال الحديثة دوراً في اختصار الزمن، فالآن يمكن التجمع على الهدف المشترك ببنى تنظيمية تتنوع أشكالها تنوع ألوان الطيف. قديماً كانت الديكتاتوريات تمنع التجمعات بأعداد قليلة، واليوم تستطيع أن تلتقي بعشرات الآلاف من منزلك، وتحصل على أفضل الخبرات العالمية، ولا زال أمام مُنظري وممارسي اللاعنف في العالم أشواط كبيرة لتطوير استراتيجيات وهياكل البنى الأفضل لاستيعاب المجتمعات وحشدها في تيار واحد. والمستقبل يبشر أن شعوب العالم في طريقها لتجاوز ألعاب الهواة في المقاومة، إن المستقبل الذي ينتظرها هو مقاومة المحترفين.

 

 الجزيرة توك :إذن أنت ترى أن تدريب المنظمين على كيف يدار الحدث وكيف ينظم جزء من عوامل نجاحه ؟

بالتأكيد… أو بعبارة أخرى يمكن أن تقول إن كان المنظمون يضعون ذلك هدفاً فسيكون جزءاً من نجاح أهدافه.

 

 الجزيرة توك : أنت تحدثت عن رسالة الإضراب إلى الشرطة على اعتبارهم جزءاً ممن يعاني كأي مواطن آخر، كيف يمكن للمضربين أن يرسلوا هذه الرسالة ونحن نتحدث هنا عن تنظيم وإدارة إضراب ؟

هذا الأمر يتطلب وضع استراتيجيات لتجنب الاصطدام بالشرطة، وإبداع تكتيكات تقي المتظاهر مثلا من اللجوء للعنف، وفهمه بأن التغطية الإعلامية من أمضى أسلحة المقاومة، حين تُظهر سلوك المقاومة الحضاري، يعني هذا موضوع كبير لا يتسع له المجال الآن، وبالتأكيد سيختلف من مجتمع لآخر، لا يمكن أن أعطي فيه هنا “روشتة” شاملة، وهناك دراسات مخصصة عن استراتيجيات التعامل مع قوات الأمن لكسبها.

 وبصفة عامة تحرص استراتيجيات اللاعنف في مواجهة القمع على تغيير قواعد اللعبة، بحيث تجعل أداة القمع غير فاعلة، فلو أنك أعددت سكيناً لتقطع به قطعة لحم، ماذا ستفعل لو وضعت أمامك بدلاً من قطعة اللحم طبق “شوربة”؟؟ حينها تفقد الأداة فاعليتها، وفي اللاعنف مثلاً الاختفاء من الشوارع أقوى أحياناً من التجمع فيها في تظاهرة، حيث تجد سكين القمع فرصة كي تعمل. وحركات اللاعنف عادة ما تفكر كيف تجعل نفسها حساء “الشوربة”، كيف لا تكون قطعة اللحم التي تنتظر تشريح السكين لها.هذه واحدة من عدة وسائل جوهرها وضع آلة القمع في المعركة التي لا تستطيع أن تعمل فيها.

 

الجزيرة توك :يعني هذه إستراتيجية كاملة وطريق طويل ..

 

أنت الآن تتحدث عن صناعة التغيير صناعة قائمة على علم وفلسفة و إستراتيجية وتكتيك وهي تعتبر من الصناعات الثقيلة، هذا إن كنت تريد الحديث عن مقاومة محترفة تقي المجتمع ويلات العنف والدمار، يعني حتى الاستراتيجيات هذه تستفيد منها الحكومة، لأنك مثلاً عندما تعذب شخصاً أنت تخلق وحشاً، أنت عندما تبني مجتمعاً قوياً يجب أيضا أن تنظر إلى كيف تخلق حكومة عاقلة تحسن إدارة الصراعات – بالنظر الى الحكومات في المنطقة وما تقوم به تجاه شعوبها ومعارضيها.

 أي عمل تغييري تريد له أن ينجح ستبذل جهداً في تأسيس بنيته التحتية أولاً، ويمكن الحكم على مستقبل أي مشروع تغيير بالنظر إلى البنية التحتية، العلم – المال – الإعلام – البشر – العلاقات .. الخ، قبل أن تتأسس بنى حقيقية قوية تروي المقاومة ستظل تدور في إطار احتجاجي، وقضية العلم تلك خطيرة جداً، لأن حركة المقاومة قد تكون أسوأ في المستقبل من الحكومة التي تريد تغييرها وتجر الويلات للمجتمع. إذا لم تع كيف تدير الصراع مع المعارضة، وكيف تدير التنوع الطائفي والأيديولوجي، وأحياناً تنجح الحركات في مرحلة التغيير، لكنها تعجز عن البناء فتقدم نفس النموذج السابق. إنك إن أردت خلق مجتمع قوي فكما تهتم فيه بنشر علوم المقاومة عليك أن تهتم بنشر علوم بناء الدولة، وأن يتخصص فريق لهذا العمل مجيباً على الأسئلة الملحة التي ستواجه الدولة الجديدة.

 و الفكرة أننا اعتدنا على فكرة “الكنترول” أو التحكم المباشر، ما يجري هو خلق تيار يقوم على هدف محدد يجمع أناس متعددة المشارب، ويمكن أن يكون هذا الهدف فقط هو ما يجمعهم، ويمكن أن يختلفوا على غيره، وليس معنى أنهم كوّنوا جبهة أنهم ناجحون وانظر حجم وعدد الجبهات الفاشلة، الالتقاء على فكرة وهدف واحد أقوى من الالتقاء على تنظيم عضوي واحد، الناس المتفقة في الهدف من الطبيعي جداً أن تنسق مع بعضها بدون أي تكلف، فأنت هنا تخلق مجتمعاً طبيعياً جداً أو تعيد للمجتمع روحه الطبيعية، ويجد كل فرد فيه له دوراً في إطار المشروع الكلي، وهنا تضمن مشاركة قطاعات كثيرة، فلان مثلاً لا يرغب في الانضمام لحزب أو حركة، لكن أنت بهذه الإستراتيجية جعلت له مساحة يعمل فيها إن اشترك معك في الهدف ثم قرر العمل بطريقته مع المجموعة التي يريد من أصدقائه مثلاً، فشتان بين إستراتيجية خلق مجتمع قوي وإستراتجية خلق جماعة أو حزب قوي. 

 

 أما الشق الثاني من السؤال والمتعلق بنجاح الإضراب فإنه يجب أولاً تحديد معايير النجاح والفشل في مثل هذا العمل، ولن نستطيع أن نحكم إلا إن وضعنا أيدينا بدقة على أهدافه كما يراها دعاة الإضراب وليس كما يتمناها المتابعون والمهتمون بالشأن المصري. ولكن بصفة عامة يمكن القول بأن هناك مفردات لغة مقاومة جديدة تدب في المجتمع المصري ومجرد طرح الفكرة بهذه الجرأة يمثل نجاح في القدرة على اتخاذ قرار برفع مستوى الفعل، فالمتابع للحالة السياسية المصرية من 2004 يجد اتهاماً دائماً للشعب المصري بالسلبية السياسية، خاصةً من قبل بعض المعارضة، دون اختبار حقيقي لمدى صحة هذه التهمة، ومع العجز السياسي للمعارضة عن التدخل في معادلة (القرارات/المطالب) بكل قوة وإيجابية بما يخدم مصلحة الجماهير أصبحت هذه التهمة – السلبية الجماهيرية – هي المخرج الوحيد المتاح أمامها.

 أولاً يجب أن نعلم أن أول دعاة الإضراب – ليس في مصر وحدها بل في العالم أجمع – هو مستوى الأداء الحكومي، ولما كان الاعتراض على مستوى الأداء الحكومي هو حق طبيعي أولاً ودستوري وقانوني ثانياً للمواطن في كل بلدان العالم في العصر الحديث، ولما كان المواطن في الدول الديمقراطية يستطيع معاقبة أو إسقاط الحكومة ذات الأداء المتدني من خلال الانتخابات بمستوياتها المختلفة؛ لم يجد دعاة الإضراب سبيلاً للاعتراض على مستوى الأداء الحكومي أو لمعاقبة أو لإسقاط الحكومة سوى أن يبدعوا هم أساليبهم، والذي أتوقع أن تتبعه وسائل قد تصل ذروتها إلى العصيان المدني الشامل في مراحل لاحقة إذا لم تحاول الحكومة المصرية عمل موازنة حقيقية بين قراراتها وبينالمطالب الجماهيرية، إذ أن ما يهدد استقرار أي نظام سياسي هو ارتفاع معدل المطالب الجماهيرية، وكلما زادت الفجوة بين المطالب الجماهيرية والقرارات الحكومية كلما اقتربت حالة العصيان الشامل، وهي في عرف بعض الباحثين في مجالات التحول الاجتماعي حالة حضارية، خاصة إذا قارنها بالعنف الذي يتعرض له المواطن، العنف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني. 


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.