قسم: مقالات المجتمع القوي
أضيف بتاريخ: 2 أبريل 2015
هل فكرت قبل أن تهتف بسقوط نظام أن تهتف ببناء قدراتك؟ هل يعي القائمون بمشروع التغيير احتياجاته؟! هل تهدف إلى تأسيس مجتمع قوي وتقاوم من أجل إزاحة العقبات أمام هذا المشروع؟ أم أنك تحمل مشروعاً سلطوياً يُخضع الشعوب؟
إن الكثير من أحاديث وكتابات القائمين على التغيير تدور حول السلطة ويكتفون بالإشارة إلى سلبية الشعوب وضعف المجتمعات.. ثم يعودون مجدداً للاستغراق في توصيف النظم المستبدة.. وهكذا تبرز حالة من الاستسلام لمفهوم السلطة والكفر بمفهوم المجتمع.
هل الهدف هو إسقاط نظام؟ حسناً.. من سيسقطه؟ ولصالح من؟ وعلى أي أفكار سيتأسس النظام الجديد؟! فإن كنت تكفر تماماً بالمجتمع؛ فهذا يعني أن مشروعك هو تحويل مفاتيح السلطة إليك. لتتحكم أنت في المجتمع الذي قررت مسبقاً بمفهوم سلطوي أنه سيظل كما هو خاضع. إذن هو خلاف حول من الأجدر بأخذ الإتاوة من المجتمع. نحن .. أم هم؟!
أما إن كنت تؤمن بأن النظام الجديد يلعب فيه المجتمع الدور الأبرز، فأنت بحاجة إلى إعادة تعريف مشروعك.. من “إسقاط نظام” “إلى تقوية مجتمع”.. وهذا لا يعني الانخلاع من حلم “إسقاط النظم المستبدة”، لكنك ستعيد ترتيب المفاهيم في وعيك.. ليتحول “إسقاط النظام” إلى نتيجة طبيعية لـ”مجتمع قوي”. فلولا ضعف المجتمع لما تسلط المستبدون. والمستبدون يرسخون هذا الضعف في وعي الناس والمقاومة معاً. لأنهم يدركون أن كل قوة نسبية تضاف للمجتمع هي خصم من رصيد السلطة، وكل نمو في عقل وعضلات المجتمع دلالة ميلاد مشروع فعلي لدى المجتمع.
هي شبكة مفاهيم جديدة تجرؤ من خلالها على قول “سنهزمهم” بدلاً من قول “سيسقطون”.. فالأولى تعول على القدرات والثانية تعول على المعجزات. هي شبكة مفاهيم جديدة تجعلك ترى مشروع التغيير من منظور “المجتمع” وليس من منظور “السلطة”. لتعيد تعريف كل شيء من حولك، وتعيد قراءة كل الأحداث في سياق آخر، تحكم على كل حدث من منظور “تقوية المجتمع”. وبذلك يتحول مشروع التغير إلى عملية بناء مستمر لمجتمع قوي. حتى وهو يقاوم فإن لديه بوصلة تجعل كل خطوة تصب في هذا الهدف، وكل حيرة حول مسار من المسارات يجيبها سؤال.. هل يصب في تقوية المجتمع؟!
قد يكون “المجتمع القوي”.. هو الداء والدواء معاً، بدونه لا يحدث تغيير، وبه تُسحق النظم الفاسدة!! فإن كنت تشكو يومياً من ضعف الشعب وسلبيته فأنت بذلك تقر في ذات الوقت الدواء.. أنت هنا من أجل تغيير الواقع.. واقع مجتمعك.
حين تفكر بمفهوم السلطة سترى كل إعراض مجتمعي عنك سببه أن “الناس” سيئون جداً.. لأنك تفكر بمفهوم “السلطة” التي تدعي مقاومتها. مفهوم “السلطة” الحاكمة و”الشعب” المحكوم.. فكلمة “المجتمع” غائبة.. فالسلطة دائماً على حق والشعب على باطل.. ولا يهم رأي الشعب فيمكن خداعه.. هكذا يتحدث التفكير السلطوي.
أما إن كنت تفكر من منظور تحرير المجتمع وبناء قدراته فسترجع عزوف الناس عن أطروحاتك إما لفساد الأطروحة ذاتها، أو لضعف في بنية المجتمع المقاوم تجعله عاجزاً عن التأثير والإقناع. هنا لن تكون الإجابة السهلة هي “الشعب سلبي”.. بل ستكون الإجابة: هناك خلل لدينا في بنية “المجتمع القوي”.
والمجتمع القوي ليس هو المجتمع الذي ينبض كل أفراده بالحيوية، ولكنه المجتمع الذي يتوفر فيه كم ونوع من الأفراد والكيانات والمشاريع التي تحصل بها الكفاية لتشكيل نظام فعال. تماماً مثل أن المجتمع المتقدم صحياً ليس هو الذي لدى أفراده ثقافة صحية، فهذه نتيجة. ولكنه المجتمع الذي لديه بنية تحتية من المؤسسات والمشاريع الخادمة لمجال الصحة، بداية من مؤسسات الأبحاث العلمية إلى مشاريع التوعية إلى مؤسسات تأهيل وتدريب القائمين على المجال، إلى أساليب وأدوات وأماكن العلاج نفسها..الخ. إنها صناعة كاملة تعكس قوة المجتمع في أي مجال.
وحين نتحدث عن مجتمع قوي في مجال التغيير السياسي والاجتماعي فإننا لا نتحدث عن شعب يسير في مظاهرات احتجاجية، فإن أبى السير أطلقنا عليه حكم “المجتمع الضعيف”.. فربما عدم المشاركة هو انعكاس لهشاشة البنية المقاومة للمجتمع. بداية من قدرتها على طرح مشروع حاشد، إلى المسارات والأدوات التي تقترحها. لذلك فإن المؤشر الأهم لقوة المجتمع هو امتلاكه بنية تحتية فعالة ومتطورة، قادرة على التعامل مع الملفات التي يطرحها سؤال التغيير. المؤشر هو أن يمتلك المجتمع نظاماً للمقاومة، تماماً مثلما أن لديه نظماً صحية وتعليمية ورياضية .. الخ
وهذا العمل ليس من شأن عموم الناس المهتمين بمجالات أخرى، ولكن العبء فيه يقع على الواعين بمجال التغيير، المختارين للعمل فيه وتشييد أركانه الراسخة في المجتمع. لأنه يجب التمييز بين من يعملون على بناء نظام، ومن يتأثرون به ويستفيدون منه. فالكيانات المؤسسة للنظام التعليمي على سبيل المثال سنجدها تحتوي على قلة من الأفراد مقارنة بالمستفيدين أو المتعرضين لهذا النظام من عموم الشعب. لكن هذه القلة هي التي تصنع مناخاً تعليمياً كاملاً.. لذلك لا تلم شعباً غير متعلم إن غاب النظام التعليمي، ولا تلم شعباً لا يقاوم إن غاب نظام المقاومة.
إن التخلف في نظام المقاومة لا يختلف كثيراً في نتائجه عن التخلف في نظام الصحة. إنه يعني إصابة الشعب بالكساح، وانتشار الخرافات حول كيفية الشفاء من أمراض الاستبداد، هذا يقول ليس مطلوب سوى أن تقول يا “رب”، وذاك يعلق كفاً أو صورة زعيم يتقي به شرور الدهر. إنه يعني انتشار الرمد السياسي وغياب الرؤية. كل هذه الأوبئة السياسية ليست بسبب أن التغيير في الشعوب غير ممكن، ولكن لأن المعنيين بالتغيير مشغولون بفكرة “إسقاط النظام” أكثر من انشغالهم بفكرة “بناء نظام مقاوم”، انشغلوا بالنتائج عن الأسباب.
يحار البعض!! كم يستغرق إسقاط النظم المستبدة؟! والإجابة بسيطة، إن كنت تريد عملية حسابية بعيداً عن المعجزات؛ فهو نفس الوقت الذي تستغرقه عملية بناء مجتمع مقاوم قوي، بكياناته المقاومة ومؤسساته الفكرية والبحثية والإعلامية والاقتصادية .. الخ.
وائل عادل
25/9/2014