الأربعاء, 18 مارس 2015
آفات العقل الثوري

ترزي الثورة

قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 18 مارس 2015

بعد كل دعوة لفعالية ثورية تجد المبالغات في ردود الأفعال. هذا يقول لك لقد نجحت نجاحًا عظيمًا، وآخر يقول لك لقد مُنيت بفشل ذريع.. فمن نصدق؟! وعلى أي أسس نحتكم في تقييم الأحداث؟!

في الغالب حين تجد هذا البون الشاسع في التقييم بين نصر عظيم وهزيمة مؤكدة فأنت أمام حدث ضبابي الدلالة، يستثمره كل طرف فيحاول إعطاءه درجة من الوضوح بحسب ما يتراءى له، هي وجبة بلا نكهة يحاول كل فريق أن يكمل الطبخة ويمنحها المذاق الذي يحب، هو السحاب في السماء يحاول كل شخص تشكيله بطريقته الخاصة.. هذا يقول لك انظر إلى الأسد في السماء، وآخر يقول لك بل انظر إلى الفأر المقلوب!!

على عكس الأحداث المؤكدة الدلالة، كخروج مجموعة تطالب بإقالة مسؤول فيقال بالفعل، أو رفع مظلمة فتُرفع، أو أي حدث له هدف واضح يتفق على وضوحه الخصم وصاحب الحق معاً.

ومما يجعلنا في حيرة من أمرنا بعد كل حدث فنتساءل هل نجحنا أم هزمنا؛ أننا لا نحدد معايير النصر ابتداء. لا نجيب على أبسط الأسئلة المنطقية.. متى سنقول في نهاية اليوم أنه كان يوماً ناجحاً؟! لأن أي شيء في الحياة يمكن أن تراه إنجازاً.. أليس من الممكن وأنت في انتظار مقابلة من أجل الالتحاق بوظيفة أن يقدَّم لك كوب من العصير؟! حين تعود سيسألك أهلك بفرح.. هل قُبلت في العمل؟! ستخبرهم ببسمة بلهاء: لا .. لكنني تناولت كوباً مجانياً من العصير اللذيذ.. وهذا في حد ذاته نجاح!!

هل كان الهدف هو الحصول على وظيفة أم تناول العصير؟ ماذا كان في بالك قبل الخروج من البيت؟! هل الهدف كان التعبير عن الرأي وإيصال وجهة نظر، أم مجرد إثبات وجود، أم حملة قصيرة تنتهي بمكسب ملموس؟! أم ماذا؟!

بالطبع لا تخل الأعمال التي نخطط لها من نجاحات لم نكن نتوقعها أحياناً، فهناك هدايا على طريق المثابرين. لكنك لم تصنع الحدث من أجل انتظار الهدية. لابد أن يكون لك هدف مسبق يمكن بعد إنهاء الحدث القول بأنك نجحت فيه أو فشلت. حتى نستطيع أيضاً أن نحكم إن كان ما وجدته على الطريق هدية أم لغماً!!

إن إعلان معايير النصر قبل الحدث يتطلب جرأة ومسؤولية. فالتملص من إعلان الهدف المباشر من الفعل مريح لمن يريدون الهروب من التبعات والمسؤوليات. لمن يبحثون عن أي عصير في أي مكان. ويفرون من إرهاق الأسئلة الصعبة التي تسعى لتقييم ما جرى. وأعني بالهدف المباشر هو إجابة سؤال “متى ستقول أن هذا الحدث كان ناجحاً؟! إن حدث ماذا ستعتبر أنك نجحت؟!”. فالأفضل لدى البعض أن يوضع الهدف المباشر بعد انتهاء الحدث، في قراءة عكسية لهما جرى. حتى تكاد تسمع عن أهداف لم تسمعها من قبل. هو أقرب لعمل الترزي الذي يقوم بعملية “التأييف”. فأي حدث بعد انتهائه يمكن أن تضبطه على مقاسك ببعض الدبابيس التي تثبت بها بعض المَشاهد، ومقص تقص به المَشاهد التي لا تروقك.  

لذلك حين تجد مبالغات في ادعاءات النجاح أو الفشل دون أن يتحدث أحد عن المعايير. ثم توضع المعايير بعد انتهاء الحدث لتبدأ عملية “التأييف” فاعلم أنك الآن في محل “ترزي الثورة”.. وجاري أخذ المقاسات!!

أما إذا تعودنا تحديد معايير تقييم أي نشاط قبل القيام به؛ فسنحسن في توفير أسباب نجاحه لتتحقق هذه المعايير. هذا إن كنا نريد النصر المؤكد لا النصر المتنازع عليه.

فهناك نصر مؤكد يُجمع عليه الخصم والصديق معاً، مثل الهدف الواضح في مباراة كرة القدم الذي يقر به الجميع. وهناك نصر يُتنازع عليه، تجد كل طرف يدعيه لنفسه. وهذا في الغالب محل نظر. فقد يكون بالفعل نصراً لكلا الطرفين حيث نجح كل طرف في تحقيق بعض أهدافه، وقد لا يكون أي شيء سوى أننا محاطون بحفنة من الترزية وآلاف المصفقين من محبي العصير اللذيذ.

وائل عادل
29-11-2014


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.