الأحد, 15 مارس 2015
آفات العقل الثوري

ثورة الحانوتي

قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 15 مارس 2015

يتساءل البعض عن جدوى الثورات.. فهي في نظرهم لم تتمكن سوى من تغيير رأس الأنظمة الفاسدة.. وإن سلمنا جدلاً بأن هذه هي النتيجة الوحيدة فعلينا أن نفكر.. وهل كان يُتوقع غير ذلك؟! ما هي القدرات التي كانت لدى مجتمع المقاومة؟! وهل كان لديه من الإمكانات ما يجعله يصل إلى أبعد من ذلك؟!

أغلب الثورات العربية تحركت في البداية لمطالب بسيطة، ثم تطورت المطالب بتطور المشهد المقاوم. لكن طبيعة الأفكار والأدوات التي كانت تحملها المجموعات التي تحاول إدارة المشهد لم تكن تسمح بالتطورالكبير للمشهد، كان سيتوقف حتماً عند نقطة تُكافيء القدرات. مثل مجموعة ذهبت في رحلة وقد أعدت عدتها، بدأ البرنامج بلعب كرة القدم، ثم قال البعض هذا ليس كاف، لم لا نلعب أيضاً كرة طائرة؟! لا بأس.. يمكن أن يتطور البرنامج في حدود الإمكانات. لكن ماذا لو قال البعض نريد طائرة شراعية ننطلق بها من ضيق الأرض إلى سعة السماء؟! لو جلسوا ألف يوم بنفس الأدوات لن يتطور المشهد، لن تتحول الكرة إلى طائرة، ولن يصعدوا إلى السماء، إلا إن جاءهم مدد بإمكانات مختلفة!!

إن تغيير المشهد ليس مجرد تغيير في الشعار والمطالب، لنرى في طرفة عين لاعب الكرة يتحول إلى بطل ملاكمة، هكذا لمجرد أنه بات يقول “أنا جدع”.. فإن خاض أول مباراة أصبح مثار سخرية. وهذا هو حال من يهتمون بالتصعيد في الشعارات دون التصعيد في الإمكانات وبناء القدرات.

كل هدف لا يرتكز إلى بنية تحتية من الأفكار والأدوات والكوادر والتحالفات فهو شعار حماسي لا مشروع مقاومة. وكل أمل في تطوير المشهد دون تطوير في البنية التحتية التي تسمح بهذا التطور سينقلب لاحقاً إلى حالة من اليأس.. وهو يأس في محله.. فالإمكانات لا تكافيء الأهداف.

من هنا كان مشروع التغيير هو عملية مستمرة لتشييد بنية تحتية قادرة على حمل مشروع المقاومة، والانتقال به من مرحلة إلى أخرى.

انطلقت المقاومة في مرحلتها الأولى بأدوات، لكن يبدو أنها أدوات “حانوتي” يدفن رأس الاستبداد. قامت بدور عزرائيل السياسة الذي يطيح برأس كل نظام فاسد. لكنها لا تملك من أدوات الفعل أبعد من ذلك. كانت بنيتها التحتية تسمح فقط بصناعة التوابيت السياسية، لا إتلاف ماكينة توليد الديكتاتوريات.

إن كل مرحلة من مراحل التغيير تحمل أسئلتها المميزة، ولا يمكن الانتقال من مرحلة لأخرى بنفس الأجوبة، ففي مرحلة يكون سؤال الخوف هو المطلوب إجابته، وفي أخرى يكون سؤال التخطيط والأدوات هو المهيمن، وفي أخرى يكون سؤال إيجاد معادلة صحيحة لبناء الوطن هو الملح. كونك أجبت أسئلة المرحلة الأولى لا يعني أنك مستعد للمرحلة الثانية… فإجابة السؤال تعني جاهزية الفكرة والأدوات. وهكذا نقع أحياناً في خديعة “الإجابة الصحيحة”، التي تسول لنا الاستمرار بناء على نجاح سابق. فنستصحب أفكار وأدوات قديمة متخيلين أنها صالحة لكل مرحلة. وكأنه ليس المطلوب سوى ترديد نفس الإجابة.. أي استعمال نفس الأفكار والأدوات..  وبالتالي فلا حاجة إلى إعداد من نوع مختلف.. كل المطلوب هو التنفيذ!!

عندما تسأل أحد من المهتمين بمستقبل الثورات، ترى.. ما الذي كان يجب أن يحدث لتكون النتائج أفضل؟! فيجيبك.. عدم ترك الميادين والساحات حتى تتحقق المطالب بالكامل! وفي رأيي أنها إجابة رومانسية تعفي العقل من أي تفكير جاد في احتياجات كل مرحلة… أليس الأفضل التفكير في طبيعة البنية اللازمة لمقاومة قادرة على استكمال المشروع، بدلاً من اختصار الموضوع في أن المطلوب مقاومة لديها قدرة أعلى على عدم الرجوع إلى البيت وافتراش الشارع؟!

أرى أن المجتمعات كانت لديها بنية تحتية كافية لإطلاق مشروع التغيير وليس لإتمامه. وليس في ذلك خطأ، فالمجتمع المقاوم يبدأ بإمكانات بسيطة يحقق بها نجاحاً رمزياً يحفزه على استكمال بناء قدراته.. كانت رسالة رمزية تبشر بإمكانية الفعل، وتؤكد أن مستقبل المجتمعات مرهون بنمو قوتها النسبية في عالم المقاومة.

لكن يبدو أن البعض وصلته الرسالة خطأ، فظن أن الحل فقط في بقاء الحانوتي في مكانه مدة أطول منتظراً نبأ الوفاة السياسية لأحدهم.

وعاد الحانوتي إلى بيته.. ومرت السنوات ولم تستعد المقاومة كثيراً، وفي النقاشات يكثر الحديث عن أنه لا مجال لعودة الاستبداد. والسبب في رأيهم أن الشارع موجود والميادين حاضرة. وهكذا قضى من يؤمنون بالمقاومة سنوات في “اللاشيء”.. معتمدين على ثبات البنية التحتية للدولة من شوارع وميادين، وليس البنية التحتية للمقاومة من أفكار وأدوات.. لم ينشغلوا بإعداد يقوي المجتمع ويمده بأفكار وأدوات فعل جديدة.. يكفي أن تستعيد ذكرى الثورة الأولى وتقول: مدد يا حانوتي مدد!!

لكن في الإخفاق عبرة، إن قرأنا رسالته على وجه صحيح ووعيناها جيداً، وعلمنا أن المنتصرين يحسنون التقدير السليم لاحتياجات كل مرحلة، ثم يبرعون في تشييد بنية تحتية تتناسب مع كل مرحلة، وتكافيء كل مطلب…

المنتصرون هم من لديهم جرأة تشييع جثمان الحانوتي، ووضع وردة على قبره، يكتبون عبارة تتعلم منها الأجيال اللاحقة.. بقدر ما ألهمتنا.. بقدر ما عطلتنا!!

وائل عادل

21-8-2014


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.