قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 14 مارس 2015
كثيرون يتهكمون على شعار شركات الاتصالات في الرد على عملائها الذين يشتكون من بطء أو انقطاع خدمة الإنترنت… حيث يأتي الرد العبقري المدون في الدليل الإرشادي لاستفزاز العملاء .. “اعمل ريستارت”.. لكن هل تتوقع أنها أزمة موظف شركة الاتصالات وحده؟!
بعض من تناقشهم في كيفية حدوث التغيير يجيبك بذات الطريقة الواثقة التي يجيبك بها موظف شركة الاتصالات قائلاً، اعمل “ريستارت”. تلك الإجابة التي فور أن تسمعها من الموظف، يتبدد لديك أي أمل في حدوث إصلاح…
“اعمل ريستارت”.. لا تختلف كثيراً عن “انزل الشارع”.. “ارم مولوتوف”.. “اهتف سلمية”.. كلها أجوبة تشبه إجابة الموظف البسيطة.. وليت المجيب يوضح أنها مجرد إجابة مقترحة وأن هذا ما تفتق عنه خياله، لكن إصراره على أن هذه هي الإجابة وأن ما على الناس إلا أن تنفذ ما يرى، وإلا فهم عبيد خائنون، هو ما يجعل الأزمة مضاعفة.
لعل من أسباب أزمة موظف الاتصالات أنه مطالب بإيجاد حل .. وسريع .. لمشكلة لم يضع يده عليها تحديداً، أو يعلم أن حلها ليس عنده.. لكنه لا يجرؤ أن يقول للعميل إنني أجرب، أنا لا أعرف، بل يتظاهر باليقين، ويشغل العميل معه في التكتيكات، اطلع فوق السرير .. انزل من فوق السرير.. افصل الكهرباء.. اعمل ريستارت!! فإن عجز تماماً قال له.. المشكلة في “صُباعك” الذي يعمل ريستارت!!
في البداية يستجيب العميل بحماس أملاً في أن يجد حلاً في هذه الطقوس، وربما يستعير بكل براءة أصبع أخيه الصغير لعمل “ريستارت”، لكنه يكتسب الخبرة بالتجربة، ليصبح موظف الاتصالات عدوه اللدود، بعد أن كان ملاذه للحل!!
حين يسألك أحدهم.. ماذا تريد مني أن أفعل؟ ثم لا ينفعل مع إجابتك بنفس حماسك، فلا تتسرع في رؤيته عاشقاً للعبودية، ربما ينظر هو إليك نظرته لموظف الاتصالات.. فهو لا يراك تدعوه إلا للكلمة المستفزة.. “اعمل ريستارت”، وإن اختلفت المفردات!!
“اعمل ريستارت”.. هي أيقونة أي حل عدمي يُدعى الناس له بحماس، بل ويتم زجرهم إن لم يستجيبوا في الحال.
لكن الواقع لا يجامل، وقانون الطبيعة ماض، لذلك تجد عموم الناس يقدمون شكوى جماعية فيمن يتصدرون مشهد التغيير من رافعي شعار “اعمل ريستارت”، وتأخذ الشكوى شكل امتناع عن المشاركة فيما يعتبرونه إجابة غير مقنعة حول كيفية حل الأزمة. كأن يقاطعوا أنشطة يرون أنها لن تأتي بنتيجة.
البعض ينهرهم.. أنتم عبيد.. أنت سلبيون ترفضون “ريستارت” ولا تأتون ببديل، كموظف الاتصالات الذي يهب في وجهك قائلاً.. فلتقترح أنت الحل!!
لكن عموم الناس ليسوا دائماً قادرين على إبداع حل، وقد يكون سبب اضطراب تصورنا عن دور عموم الناس أننا نعيش في عصر “الكُفتة”، ولو أنصفنا الناس لعلمنا أن معظمهم ليسوا مخضرمين في حل الأزمات، هم في الغالب لا ينشئون الحلول لكنهم يصوتون عليها، فلديهم سلطة التصويت الميداني على الحل، إما بالمشاركة أو الامتناع.
إن عدم مشاركة عموم الناس يمكن أن تعكس وضوح الأزمة وليس العكس، بل قد تجدهم يتميزون عن دعاة التغيير في إدراكهم أنها ليست أزمة واحدة، هم أمام أزمتين، أزمة الطغيان، وأزمة نوعية الحلول المقترحة من دعاة التغيير!!
لا تلح على الناس – والشرر يتطاير في عينيك- بقولك “اعمل ريستارت” .. اعمل أنت .. فإن ظهرت بوادر نتيجة إيجابية فسيقلدك الناس، وإن لم يقتنعوا بنتائج عملك فلا تنهرهم.. وحاول أن تضع نفسك مكانهم لترى المشهد من زاويتهم لعلك تصل إلى حل أفضل.. فإن أبَيْت فابحث لك عن عمل آخر يناسبك بعيداً عن الاصطفاف مع دعاة التغيير… فهناك مقعد شاغر ينتظرك في شركة الاتصالات، حيث تبلغ رسالتك للناس أجمعين.. عبر اتصال هاتفي بصوت رخيم.. اعمل ريستارت!!
وائل عادل
21/5/2014