الأحد, 8 مارس 2015
آفات العقل الثوري

الثائر أبو “50 %”

قسم: آفات العقل الثوري, جديد الأكاديمية
أضيف بتاريخ: 8 مارس 2015

تنتشر في صفوف المنحازين إلى التغيير والثورة مقولة “أبو 50%” في وصف النظام الاستبدادي، للإشارة إلى تدني ذكاء القائمين على النظام. فهم بالكاد حصلوا على 50% في دراستهم المدرسية.

وأرى أن معدلات درجات الامتحانات لا تعكس مستوى الذكاء، فكم ممن لم يُحَصِّلوا درجات عالية في دراستهم لكنهم دهاة ناجحون في إدارة أعمالهم. نحن بحاجة إلى تشريح موضوعي لعقل النظام والعقل الثوري لنرى معدلات الذكاء الفعلية.

إن حاولنا تشريح عقل النظام والعقل الثوري فسنجدنا أمام نظام يتكون من قادة تفكر وجنود لا تريد – أو غير مسموح لها- أن تفكر. في مقابل ثورة تشيع بين صفوف الفاعلين فيها مقولات مثل: “لا وقت لدي للقراءة والتعلم.. قل لي ماذا أفعل مباشرة.. لا تطلب مني أن أفكر”.

نظام يحشو عقول أتباعه بمعلومات ومفاهيم في معظمها خاطئة، وثورة تٌغذى عقول أتباعها بمفاهيم بسيطة عن التغيير عبر قصص مجتزأة وخيارات تاريخية محدودة تغتال الخيال.

نظام يلغي التفكير بمجموعة من العبارات القطعية مثل “لم يحدث في تاريخ أي دولة كذا”، ويضع أتباعه بين خيارين فقط “إما .. أو …”، مستبعداً تقديم أي نموذج آخر. وكذلك ثورة تحشو عقول أنصارها بمجموعة من القطعيات على طراز “لم يحدث في تاريخ أي ثورة كذا”، “لا حل إلا  كذا”. لتضرب معنى “الاستراتيجية وتوليد البدائل” في مقتل.

 وكأن المراد إعداد جيشين مناهضين للتفكير. والطريف أن عملية بناء جيش من (أبو 50%) في كلا المعسكريْن تتم باسم الوعي. فالنظام يخوض من وجهة نظره معركة الوعي، وكذلك الثورة. لكنك قد تكتشف أن الكثير من مادة الوعي عند الطرفين لا تزيد المتلقي إلا جهلاً.

كانت هذه نماذج سريعة – قد يكون بها نوع من المبالغات – لتقريب الفكرة. لكن إن أردنا عقد مقارنة منصفة بين النظام والثورة فينبغي تحديد معايير تصلح لتقييم المعسكرين. ويمكن اعتبار أن امتحان الواقع الذي يخوضه المعسكرين يدور حول ثلاث مواد أساسية: مادة المعرفة، ومادة القيادة، ومادة الأدوات.

أما مادة المعرفة فتختبر قدرة عملية الوعي على معرفة الواقع، وإنضاج رؤية للمستقبل، ومعالجة جذور الافكار القاتلة التي تحول دون إيجاد حلول فعالة، وتحرير العقل، وتوسيع الخيال، والبحث عن أحدث ما توصل إليه العلم في فهم وعلاج التحديات.

بينما تختبر مادة القيادة القدرات القيادية، والالتزام بالرؤية، والبراعة في إدارة المشهد، وتوليد البدائل،

والمناورة ونصب الفخاخ، والتعافي السريع بعد الأخطاء.

أما مادة الأدوات فتختبر القدرة على بناء الأدوات الفعالة في مجالات متنوعة، وجعلها تعمل في تناغم لتحقيق الهدف.

ويمكنك من خلال هذه المعايير الأولية التعرف على معدل درجات معسكر النظام ومعسكر الثورة. فعادة ما تكون أسئلة امتحان الواقع في هذه المواد. وليست الأزمة في مستوى الذكاء الدراسي سواء عند النظام أو الثورة. فلا يعني أي شيء إن كان معدل النظام في الثانوية (50%) ومعدل القائمين على الثورة (90%). فاللص التافه قد يتغلب على الطبيب النابه إن كان سؤال الامتحان “كيف تحمي محفظتك؟” وليس “كيف تعالج المريض؟”.

كما ستتبين محنة الثورة إن كان النظام (أبو 50%) له قيادة وأدوات، في مواجهة الثورة (أبو 50%) بلا قيادة وندرة في الأدوات. حينها لن تتسرع في نعت خصمك بالغباء. لأنه إن كان يمزج بين الغباء والقدرة على توريطك في معارك جانبية، أو دفعك لتبني شعارات ومسارات تضرك أكثر مما تفيدك، أو لديه أدوات التشويش على أعمالك وصرف الانتباه عن أخطائه؛ فإن التساؤل حينها سيكون.. حسناً هو غبي.. لكن ماذا عن مستوى ذكائك أنت؟!

يمكن لمعسكر الثورة أن يتعافى حين يعي أن له نصيباً من مفهوم “أبو 50 %”. وأنه أحياناً يرتكب من الحماقات ما يجعله مؤهلاً للمنافسة على اللقب. وأن نجاته في أن يستعد بجدية لمواد الامتحان، ويجرؤ على إطلاق لقب “أبو 50%” على مشعوذة الثورة، حتى لو كانوا حاصلين على أعلى الدرجات العلمية. 

وائل عادل

26/2/2015


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.