الأربعاء, 18 فبراير 2015
آفات العقل الثوري

إما النصر أو السعادة

قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 18 فبراير 2015

دفعني الفضول للاقتراب منهم .. لأعرف من هؤلاء .. وماذا يفعلون.. يبدو أنها إحدى الحركات تقيم معرضاً لتأبين شهدائها.. فهناك صور لشباب وفتيات تملأ المكان.. اقتربت أكثر.. فإذا باللافتات تنطق بزهو .. “هؤلاء من أحدثوا الفرق”… قلت في نفسي: هذا حقاً ما يفعله الشهداء.. لكن ما هذا؟ هم ليسوا شهداء؟! بل أحياء في دنيانا يُرزقون!!

هي حركة لم أشهد لها نظيراً.. فهي تضم مجموعات عمل من طراز مختلف، يكتسب الصدارة فيها من أهدى إلى مشروع التغيير إضافة مميزة، كابتكار فكرة جديدة تقلل التضحيات وتوجع المستبدين، أو تساهم في الفوز بشريحة في المجتمع لم تكن لتنحاز من قبل للتغيير. في الحركة تتقدم صور المبدعين على صور الشهداء، ليعلوا من شأن الإبداع في التصدي للظلم.

وجدت في كل ركن من المعرض شاباً لامعاً تلتف الناس حوله، يشرح إسهامه في مشروع التغيير.. يا لحيويتهم وتألقهم!! فهم يجربون أشكالاً متنوعة من تكتيكات الدفاع والمناورة.. لا يتنافسون على الموت مثل الآخرين، بل يتنافسون في فنون ترغيم أنوف الطغاة.. حتى حين يكون الموت متوقعاً.. يتساءلون.. ترى لو قُدِّر لنا أن نموت في المعركة.. ما الذي سنكون سعداء بفعله قبل أن نموت؟! وهل ما قمنا به تكلفته الوحيدة هي الموت؟! أم كان يمكن أن يتم بتكلفة أقل تمكننا من المواصلة؟!

وهناك في ركن بعيد.. التف الناس حول صورة، من الواضح هذه المرة أن هذا شهيد.. كانوا يرثونه، ليس باعتباره مجرد جثة قضت، ولكنها مائة فكرة محتملة حُرمت من الوجود. كانوا يرثون أفكاراً دُفنت معه، كان من الممكن أن تلهم الكثيرين.

لهذه المجموعة فلسفة فريدة، خرجوا طلباً للنصر أو السعادة!! شعارهم للطغاة.. “إما النصر أو لن تهنأوا ساعة”.. والثائر إما أن ينتصر ويحقق ما يريد، أو يسعد بترغيم أنف خصمه، وتجريب استراتيجيات وتكتيكات جديدة.. يحسن الكر والفر، والمباشرة والخداع.. يعصف كالريح دون أن يُرى، ويستمتع بأنه يتفلت من بين راحتي خصمه بمرونة عالية. ينادي في خصمه بمكر وتحدٍ .. “أمسك بي إن استطعت”..

في بعض الأوقات تكون الأولوية لأن يثبت الثائر أنه لا يخاف الموت، لكن بعد أن يفعل ذلك قد تنتقل الأولوية لأن يثبت أن لديه مخزوناً من الأفكار الفعالة التي لا قِبل للديكتاتوريات بها، فتحتل قيمة “السعادة” كأداة ثورية مرتبة أعلى من “الشهادة”. السعادة بخوض الثورة بفن، وإعادة تشكيل مسرح الأحداث. ليبدأ الانتقال من التصدي “بالثبات” إلى التصدي بالحيلة والابتكار.

وهنا يغير الثائر زيه، ويعيد تصميم هيئته، لينتقل من حياة يهرول فيها نحو الموت إلى أخرى يعشق فيها الحياة، حياة ينغص فيها عيش الطغاة، ويؤرق مضاجعهم، وهو سعيد بأن يعيش هذه الحياة أطول فترة ممكنة، ففيها متعته. هو ليس طالب موت، لكنه لا يخاف منه، ومستعد له في أي وقت.

(إما النصر أو السعادة) مفهوم يعني انقراض الثائر الكئيب، حين تتحول الثورة إلى المتعة التي لا تنتهي، برغم ما فيها من مخاطر. كبطل يتسلق الجبال ليصافح النجوم، أو يطارد الحيتان في قاع المحيطات. هو يعلم أنه سيحقق ما يريد، لكنه كذلك يدرك خطورة اللعبة، أعد عدته للانتصار، ولم يقرر خوض المغامرة إلا وهو يعلم أن النصر هو الأساس، والمتعة هي الأصل، والموت متوقع في أي وقت.

خرجت من المعرض وكأني أحلق في سماء التغيير، ثم ارتطمت فجأة بالأرض.. فقد مرت من أمامي مسيرة تحمل جثامين شهداء.. والهتاف المدوي يقصف كل أمل في الانتصار.. “يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم”!!

وائل عادل
9/4/2014


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.