الثلاثاء, 3 فبراير 2015
سلسلة التغيير والمسارات

الحلقة الخامسة – دورة الحراك التغييري

قسم: سلسلة التغيير والمسارات
أضيف بتاريخ: 3 فبراير 2015

إن الحراك التغييري له دورة حياة شأنه في ذلك شأن بقية الكائنات الحية جميعها، إذ يولد الحراك التغييري في رحم قصور وعجز النظام السياسي عن تحقيق أهداف المجتمع، ويمر بفترة طفولة يحاول فيها أن يبلور أفكاره ومؤسساته وهيئاته، وتشبه هذه المرحلة مرحلة الطفولة إلى حد بعيد، إذ تكتشف الحركة نفسها والمجال الحيوي المحيط بها، وتكون أفكارها وأطروحاتها واستراتيجياتها وتكتيكاتها في طور التشكل والتبلور، كما تتميز بجرأة الطفل فتحاول الانطلاق في المساحات الجديدة غير المجربة التي لا يقدم عليها عادةً من يمتلكون رصيدأ كبيراً من التجارب التاريخية السلبية. فإذا ما اشتد عودها وبلغت أشدها دخلت في مرحلة الشباب بكل ما تحتويه كلمة الشباب من معاني الحماس والأمل والقوة، إذ تصبح أفكارها وأشكالها الإدارية أكثر صلابة وتماسكاً، وفي هذه المرحلة يبلغ الحراك التغييري ذروته، ويكون قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافه، فإذا عجز هذا الحراك عن تحقيق أهدافه يدخل في طور الشيخوخة والهرم، وفي هذه المرحلة من دورة الحياة ينخفض سقف الأهداف، وتقل حدة الفكرة ووضوحها، وتخبو جذوة الشباب والحيوية، وتضعف الرابطة بين وحدات هذا الحراك، ويبدأ الاحتقان الداخلي، وتدور أغلب النقاشات حول عالم الأشخاص لا الأفكار، وينتشر سؤال “من القائل؟” بدلاً من سؤال “ما هي الفكرة؟”، وتبدأ مرحلة الفوضى والتخبط. كما تتميز هذه المرحلة بجمود الأفكار، وانغلاق الأفق، والخوف من الجديد، والبعد عن الأهداف الحقيقية، بالإضافة إلى الخضوع والانقياد التام دون وعي وبصيرة لأشكال العمل المتعارف عليها، وهو ما يشبه حالة الاستسلام. كما يزهد أبناء الحركة التغييرية في محاولة إبداع أساليب جديدة تحقق الهدف، وتوصل للغاية. ولا تصبح غاية الأفراد  النظر والاسترشاد والاقتباس المتعقل من التجارب السابقة للمؤسسة؛ وإنما تصبح غايتهم تقليد أشكالها واستنساخها حتى لو ثبت عدم جدواها.

وتأتي مرحلة تأسيس البنية التحتية في فترة طفولة الحراك التغييري، وهي فترة التشكل والبناء، حتى يدخل مرحلة الشباب وقد اكتملت جميع أجهزة وأفكار الحركة التغييرية بعمومها.

فإذا ما حاولت الحركة الدخول إلى مرحلة الشباب قبل استكمال بنيتها التحتية الأساسية فستعجز عن تحقيق أهدافها، وهو ما يؤدي إلى فقدان الجماهير الإحساس بقدرتها وبقدرة القوى التغييرية على الفعل، وإذا ما تحطمت القوى النفسية والدافعة للجماهير فإن إعادة بنائها يستلزم وقتاً طويلاً، وهكذا يمر الحراك التغييري بالدورة كاملة مرة ثانية ليستعيد ثقة الجماهير. إذ يدخل في طور الشيخوخة والهرم، وهي المرحلة التي يمر فيها المجتمع بحالة من السكون – قد يطول وقد يقصر – حتى يكسر حاجز هذا الصمت حراك فكري جديد يبشر بحراك تغييري جديد.

وهكذا فإن مرحلة تأسيس البنية التحتية تعد  مرحلة مهمة في الحراك التغييري.

لا يستلزم الحراك التغييري قوة حشد لمواجهة القلة المسيطرة المتعسفة فقط، بل يحتاج معها إلى قوة تخلخل نظام قيادة هذه القلة داخلياً وتفككه، وقوة أخرى قادرة على الاتصالات بالمحيط الخارجي، لتأمين العمل التغييري وضمان عدم التدخل الخارجي.

وبدون هذا الثلاثي المتمثل في (قوة مواجهة حاشدة شعبية – قوة تخلخل النظام داخلياً – قوة اتصالات وتأمين ضد التدخل الخارجي) يصبح من الصعب أن يؤتي العمل التغييري ثماره. وحينها تصطدم القوى التغييرية بنواتها الصلبة مع القيادة المتعسفة فتتهشم ويصعب عليها أن تسترجع قوتها.

وفي ضوء هذه النظرة يحتاج أي حراك تغييري إلى بنية تحتية قوية تضمن استمراريتها، وتحقيقأهدافها، وتحول دون تحول الحراك التغييري إلى مجرد هبة أو موجة مد اجتماعية وسياسية سرعان ما تتفت على صخور النظام.

وسنتناول في الحلقة القادمة الحديث التفصيلي عن البنية التحتية للحركة التغييرية.

أحمـــد عبد الحكيـــم      

3/5/2007


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.