قسم: سلسلة التغيير والمسارات
أضيف بتاريخ: 3 فبراير 2015
لا يتكامل تصورنا عن التغيير دون استعراض مراحل الحراك التغييري التي تمر بها المجتمعات. وقد تنوعت تقديرات علماء السياسة والمفكرين والقادة حول هذه المراحل.
مراحل التغيير عند جين شارب
ويعددها جين شارب في خمسة مراحل أساسية هي[1]:
- المرحلة الأولى: التوقع والتحليل الابتدائي: وفيها يتم فحص القضايا الموضوعة على المحك من وجهة نظر طرفي الصراع، وإعداد تحليل للأنظمة الثقافية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية الموجودة في المجتمع بالإضافة إلى التوزيع السكاني، ثم إعداد تقدير استراتيجي[2].
- المرحلة الثانية: تطوير الاستراتيجية: حيث يعاد تطوير الاستراتيجية العليا للصراع ككل، ويشمل هذا التطوير تحديد الهدف من الكفاح بشكل واضح ودقيق، وإجراء الحسابات العامة المتعلقة بكيفية إدارة الكفاح اللاعنيف لتحقيق هذا الهدف، وتنسيق وتوجيه جميع المصادر المتاحة والملائمة التي تمتلكها حركة المقاومة، والتأكد من التناغم والتناسق بين مكونات الخطة الاستراتيجية: الأهداف وأنواع الضغوط المفروضة على الخصم والتكتيكات المختارة والوسائل.
- المرحلة الثالثة: بناء القدرة: وفيها يتم التأكد من ملاءمة الاستراتيجية لقدرة المجتمع، حيث تبذل الجهود من أجل بناء قدرة الجماهير أو من أجل تعديل الاستراتيجيات. كما تشمل هذه المرحلة تقوية وتعزيز المنظمات والمؤسسات التي تقع خارج نطاق سيطرة الخصم، خاصةً إذا ما كانت الاستراتيجية العليا ترمي إلى استخدام هذه الكيانات المستقلة خلال مراحل الكفاح لتفعيل عدم التعاون والتمرد.
- المرحلة الرابعة: الكفاح المفتوح: وفيها يتم تركيز قوة المقاومين على نقاط ضعف الخصم لتحقيق الأهداف المختارة وفق الاستراتيجية العليا والوسائل المنتقاة؛ خاصةً المتعلقة بقطع مصادر القوة عن الخصم، والتأكد من تغلغل المقاومين إلى المصادر الحساسة والحرجة والحاسمة، مع محاولة خلق حالة من عدم التوازن لدى الخصم مع المحافظة على استمرار هذه الحالة، واللجوء إلى الفعل بدلاً من ردود الأفعال. ومن ثم فإدارة المقاومة لابد أن تكون وفق شروط حركة المجتمع وليس وفق شروط الخصم.
5.المرحلة الخامسة: نهاية الصراع: وفيها يتم تقييم ما بعد الصراع (النجاح أو الفشل أو خليط منهما) والتخطيط للمستقبل[3].
وقد اعتمد جين شارب هذا التقسيم في إطار التخطيط الاستراتيجي، لتمكين المجتمع من التحكم في السلطة التنفيذية.
مراحل التغيير عند مارتن لوثر كينج
أما مارتن لوثر كينج – الزعيم الأمريكي المشهور الذي قاد سلسلة من الحملات الناجحة مطالباً بحقوق السود – فقد حصر مراحل التغيير الاجتماعي اللاعنيف في ستة مراحل هي:
الخطوة الأولى: جمع المعلومات: فأول خطوة ينبغي على الحركة التغييرية عملها هي البحث، فلابد من تقصي الحقائق وجمع كل المعلومات المهمة والأساسية حول القضية محور الصراع، ليزداد وعي الحركة بالقضية، فلابد أن تصبح الحركة التغييرية في عمومها خبيرة بوضع وموقف خصومها.
الخطوة الثانية: التعلم: إذ أنه من المهم تعليم أبناء الحركة والمؤيدين لها بأبعاد القضية، وإعلام الخصوم أيضاً بأبعاد القضية لتقليل هوة الفهم الخاطئ بين الطرفين ولاكتساب الدعم والتأييد والتعاطف.
الخطوة الثالثة: مراجعة الذات: إذ لابد أن تراجع الحركة فلسفة ووسائل الفعل اللاعنيف الذي تمارسه، مع التخلص من الدوافع الخفية والشخصية وإعداد الذات لتحمل الصعاب في مسار كفاحها اللاعنيف.
الخطوة الرابعة: المفاوضات: وفيها يتم مواجهة الخصوم – باستخدام الكياسة والدعابة – بقائمة من المطالب وخطة لجدولة وتنفيذ هذه المطالب.
الخطوة الخامسة: الفعل المباشر: وهي مجموعة الأنشطة التي تمارسها الحركة التغييرية لتدفع الخصم ليتعاون معها في تنفيذ هذه المطالب.
الخطوة السادسة: مرحلة التوافق: حيث يوافق طرفي الصراع على حل ما للقضية محل الاهتمام.[4]
وهنا قصر مارتن لوثر كينج مراحل التغيير على توصل طرفي الصراع إلى صيغة ما لحل عادل للقضية محل الصراع.
ونرى أن الحديث عن هذه المراحل بهذه الكيفية خلط بين خطوات التخطيط من جهة وبين تحديد أهم المحطات التي تمر بها العملية التغييرية من جهة أخرى، فكل مرحلة تتطلب تحليلاً وجمعاً للمعلومات حتى يمكن الانتقال إلى المرحلة التي تليها، لذلك نرى أن الحديث عن بعض الجوانب التخطيطية مثل المراجعة والتقييم لا نعتبرهما مرحلة بذاتها، فمع كل مرحلة بل مع كل نشاط تحتاج الحركة التغييرية إلى المراجعة والتقييم.
رؤيتنا لمراحل التغيير
وسنقوم هنا بوضع تصور عن مراحل التغيير فقط، دون خلطها بالاحتياجات التخطيطية لكل مرحلةوقد قسمنا مراحل الحراك التغييري إلى ثلاثة مراحل كبرى هي:
- مرحلة ثورة العقول: وهي المرحلة الأولى في الحراك التغييري، وتتميز بالشباب والتجديد، إذ تبدأ هذه المرحلة بثورة عقلية تتجسد في حراك فكري جديد وأطروحات ورؤى جديدة تعيد تعريف الممكن والمستحيل، والصواب والخطأ، وتعيد ترتيب الأولويات وطريقة النظر إلى العالم وإلى الذات، وتجيب على الأسئلة الملحة المطروحة على الساحة، فتحدد طبيعة المعركة التي يخوضها المجتمع، وتحدد عقدة الصراع ودرجة التغيير المطلوب والمسار الملائم لإحداث هذا التغيير، وهي الأجوبة التي تتجاوز الأطروحات والأفكار القديمة التي عجزت عن إحداث الحراك الاجتماعي المطلوب. وهذا الحراك الفكري يستهدف بالدرجة الأولى الكوادر المؤهلة لتصدر قيادة الفعل السياسي والاجتماعي. ومن خلال استهداف تلك الأفكار والأطروحات الجديدة لتلك الكوادر تختبر تلك الأفكار قوتها وملاءمتها للواقع وقدرتها على الحشد والتأثير.
ويهدف هذا الحراك الفكري الجديد إلى إعادة بناء وترتيب وتشكيل منظومة الأفكار لدىالمستهدفين، وتوفير علوم التغيير أدواته التي تضبط فهم الواقع وكيفية التعامل معه.
- مرحلة بناء قدرة المجتمع: وهي المرحلة الثانية في الحراك التغييري، وتأتي نتيجة التقاط القادة التنفيذيين لصرخة الأفكار التي انطلقت في مرحلة ثورة الأفكار حيث تنشأ حالة عامة من الحراك التنفيذي في المجتمع، يتجاوز التنظيمات والأحزاب والحركات، ويخترق جميع المساحات الاجتماعية والسياسية، خاصة مناطق الفراغ التي عجزت حركات الماضي عن ولوجها.
وتعتمد هذه المرحلة على رافعتين رئيسيتين:
1- رسم خارطة البنية التحتية للحراك التغييري، وتحديد مناطق الفراغ ومناطق التكدس بالمشاريع التغييرية، وتأسيس المشاريع الضرورية للعمل التغييري كالمشاريع الفكرية والتمويلية والإعلامية التي ستدعم تيار التغيير. بالإضافة إلى وضع تصور للمشاريع التي ستؤدي إلى تقويض قوة النظام، كإضرابات العمال، وقطع الدعم الخارجي عنه.
2- وصناعة “التيار” الذي يتحرك في اتجاه تحقيق الأهداف المشتركة التي تتفق عليها لبنات المجتمع. وعبر هاتين الرافعتين تنطلق مجموعات العمل المنفصلة والحركات والتنظيمات والأفراد المستقلين مسترشدين بهذا التيار لتأسيس هذه البنية التحتية استكمال لبناتها وإتمام بنائها[5].
وهذه المرحلة تسودها استراتيجية التبعثر الفعال، المعتمدة على الاقتراب غير المباشر من الخصم، وعدم مسك الثور من قرنيه، عن طريق إطلاق الكثير من المشاريع المتنوعة المستقلة، التي تفقد الخصم تركيزه، وتفكك مركزيته، وتستوعب طاقات المجتمع وإبداعاته لتحقيق الأهداف المشتركة.
- مرحلة الصراع: وهي المرحلة الثالثة من مراحل الحراك التغييري، وينتقل إليها المجتمع عقب بناء قدرته عبر تأسيس البنية التحتية ونشأة التيار، وفي هذه المرحلة تتحدد أداة الحسم والاستراتيجيات الرئيسة للوصول للقوة التنفيذية، وهي التي تتحدد في ضوء أربعة مواقف قد يتعرض الحراك التغييري لإحداها[6]:
- التحول: وهو موقف نادر الحدوث، إذ تتحول فيه قناعات الخصم ويقدم على تقديم تنازلات طواعية لاقتناعه بصوابية هذا الفعل وبعدالة القضية التي يتبناها الحراك التغييري، وهو ما نسميه “التحول”.
- التأقلم: حيث يؤدي الفعل المباشر للمجتمع كسحب التعاون الاقتصادي أو السياسي إلى إجبار الخصم على تقديم تنازلات، وهو ما نسميه “التأقلم”.
- الاستسلام: حيث يكون التمرد واللاتعاون من القوة والبراعة إلى درجة تضعف مصادر قوة الخصم بحيث لا يبقى أمامه من خيار سوى الاستسلام بشروط معينة، وهو ما نسميه “الإجبار اللاعنيف”.
- التفكك: في حيث يؤدي التمرد واللاتعاون الشامل والواسع النطاق إلى التدمير الكامل لمصادر قوة الخصم مما يؤدي إلى سقوط النظام، وهو ما نسميه “التفكك”.
وهكذا تتحدد أداة الحسم الرئيسة في ضوء هذه المواقف الأربعة التي قد تتعرض لها – أو تختارها – الحركة التغييرية.
وتسود هذه المرحلة استراتيجية التحالفات‘ حين تصل حركة المقاومة إلى نقطة التعادل الاستراتيجي مع الخصم وتكتسب بسياسة “التجمع السليم”، قدرة على بلوغ رتبة التفوق الاستراتيجي على الخصم، إذ تتجمع هذه المشاريع وتقام التحالفات، وتنسق فيما بينها عندما تحين لحظة الحسم التاريخية نظراً لاتفاقها على الأهداف المشتركة.
ويبدأ تصاعد حملات المقاومة تدريجياً بحسب درجة الاستجابة للمطالب وتفاعل الجماهير، حتى تصل إلى استخدام أدوات اللاتعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأدوات التدخل مثل احتلال البرلمان بلاعنف.[7]
- مرحلة الفعل الحضاري: وهي المرحلة الرابعة والأخيرة في الحراك التغييري الشامل، وتأتي بعد عودة الأداة التنفيذية إلى المجتمع بمؤسساته وهيئاته وأحزابه وأفراده، ليبدأ المجتمع في تطبيق البرنامج الذي يؤهله للانطلاق إلى المستقبل، وللمساهمة في البناء الحضاري عبر التنافس الحر بين البرامج المختلفة التي تتبناها الأحزاب والحركات والتنظيمات المختلفة.
ولا تبدأ المشاريع النهضوية والتغييرية العملاقة والقوية إلا بعد عودة الأداة التنفيذية للمجتمع لأن هذه المشاريع الضخمة لا يمكن أن تنفذها الجماهير أو قواعد المؤسسات، وإنما هي مشاريع تحتاج إلى قرارات وميزانيات وتوجهات وسياسات دول.
وهنا يجب الإشارة إلى أن تحقيق النهضة يعتمد على الاستجابة الصحيحة للتحديات التي سيقابلها الوليد الجديد، من خلال المرور بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الوجود. فكل كائن حي أو نظام قائم يحرص أولاً على بقائه أو وجوده.
المرحلة الثانية: مرحلة الاستقرار. فهذا الكيان الذي ضمن وجوده وبقاءه في المرحلة الأولى يسعى إلى الاستقرار. فتأمين الوجود والبقاء قد لا يعني استقرار النظام. لذا فهو يسعى إلى تعديل أوضاعه لإيجاد حالة من الاستقرار.
المرحلة الثالثة: مرحلة النمو. وفيها يهدف الكيان – بعد المرحلتين السابقتين – إلى مستوى ثالث ألا وهو النمو وتطوير ذاته والبناء.
وهكذا فإن أي نظام يسعى إلى الوجود، ثم إلى الاستقرار، ثم إلى التنمية.
التغيير بين معركتين
ووفق هذه الرؤية الكلية المرحلية يجب التمييز بين أمرين، بين معركة الحريات، ومرحلة تنافس البرامج على الإدارة الأفضل للدولة، ففي معركة الحريات يكون الهدف تحرير إرادة المجتمع، واستعادته قوته كرقيب على الحكومة قادر على دعمها أو معارضتها أو تغييريها إن أراد.
أما بعد انتهاء المعركة واكتساب المجتمع أدوات التعبير عن رأيه والدفاع عنه، تبدأ المرحلة الثانية، وهي المنافسة على البرامج، وهي المرحلة التي تتناوب فيها البرامج، ويختار فيها المجتمع أفضل الكفاءات لإدارة الدولة.
أحمـــد عبد الحكيـــم
د/ هشـــام مرســـي
————————————————————————————
[1] Gene Sharp, There Are Realistic Alternatives, The Albert Einstein Institution, Electronic version, www.aeinstein.org, P. 26.
[2] يقصد بالتقدير الاستراتيجي تحديد نقاط القوة والضعف لكل من طرفي الصراع، وتحديد مصادر قوة الخصم التي يمكن استهدافها لإضعافها أو تدميرها، وتحديد واختبار الأدوار والمواقف الممكنة التي قد تتبناها الأطراف الثالثة في الصراع، ويتسع هذا المفهوم ليشمل السكان الذين لا يلزمون أنفسهم بأدوار محددة في الكفاح، ثم تحديد العوامل الخارجية التي قد تؤثر على مسارات الفعل مثل العوامل الجغرافية والجوية والمناخية والبنية التحتية، وغيرها، وتحديد أنواع الضغط الأخرى التي قد تؤدي إلى تحقيق أهداف المقاومة. وقد أدخل هذا المصطلح وهذا المفهوم في مجال استراتيجية الكفاح اللاعنيف روبرت هيلفي.
[3] للإطلاع على كيفية رسم الاستراتيجيات للصراعات اللاعنيفة بمكنك الإطلاع على كتاب:
Gene Sharp, Waging Nonviolent Struggle: Twentieth Century Practice and Twenty-First Century Potential. Forthcoming.
[4] Derived from the essay “Letter from Birmingham Jail” in Why We Can’t Wait, New York: Penguin Books, 1963.
The Six Steps for Nonviolent Social Change are based on Dr. King’s nonviolent campaigns and teachings which emphasize love in action. Dr. King’s philosophy of nonviolence works hand in hand with these steps for social and interpersonal change.
[5] أحمد عبد الحكيم، د. هشام مرسي، م. وائل عادل، صناعة التيار.. الفلسفة والاستراتيجية،
[6] There Are Realistic Alternatives, Gene Sharp, The Albert Einstein Institution, Electronic Copy.
[7] أحمد عبد الحكيم، د. هشام مرسي، م. وائل عادل، صناعة التيار.. الفلسفة والاستراتيجية، لم ينشر بعد.