قسم: مكتبة الأسئلة
أضيف بتاريخ: 25 يناير 2015
يحدد ميزان القوى بين القوى المتصارعة ما إذا كانت قوى المقاومة ستتخذ موقفاً دفاعياً أو هجومياً، أو خليط بين الإثنين، وهو الذي يقرر الدخول في المعاركة الفاصلة أو تجنبه، ويقرر الكيفية التي تخاض بها المعارك الجزئية التكتيكية. وعلى حركة المقاومة أن تعي مستويات الفعل المختلفة وتدرك الآليات التي ستنتقل بها من مرحلة اختلال ميزان القوى لصالح الخصم، إلى مرحلة التعادل الاستراتيجي في ميزان لقوى، ثم إلى مرحلة التفوق الاستراتيجي عليه.[1]
وعندما لا تمتلك المقاومة القدرات على الدخول مع الخصم في معركة مباشرة، فإنها تلجأ إلى الالتفاف حوله، بإبداع استراتيجية مصممة لمواجهة النظم الديكتاتورية، ومتفوقة على استراتيجية الخصم،فتتجنب الالتحام معه في معركة مباشرة، “فعضلات الدولة أقوى من عضلات أي حزب سياسي”[2]، لذلك تعتمد الحركات في مواجهة قوة الديكتاتوريات أسلوباً يتميز بمرونة شديدة في الحركة، وقدرة على المبادرة والكر والفر، وعدم التحول إلى رد الفعل.
وتقوم فكرة التبعثر الفعال والتجمع السليم على استراتيجية الاقتراب غير المباشر، وتعني هذه الاستراتيجية(“عدم مسك الثور من قرنيه”، أي عدم اختبار العدو في امتحان مباشر للقوة، وعدم الاقتراب من الخصم إلا بعد أخذ الاحتياطات اللازمة لزعزعة توازنه بهجوم غير متوقع تقوم به من اتجاهات متعددة. وتفرض تكتيكات الاقتراب غير المباشر نفسها على أحد الخصمين المتنازعين إذا كان لا يثق ثقة تامة بأنه من القوة بحيث يستطيع التغلب على خصمه في معركة تنشب على أرض يختارها عدوه.
ويقترح ليدل هارت الاستخدام المنهجي للاقتراب غير المباشر، بمعنى التقدم نحو الخصم من اتجاهات غير متوقعة، ثم التقدم في اتجاهات متعددة والقيام بتغييرها بحيث تصرف تفكير الخصم عن الأهداف الحقيقة للهجوم.)[3]
لذلك يجب أن تنطلق الحملات والمشاريع من أكثر من جهة، وأن يولدها أكثر من مصدر، حتى يكون المجتمع قادراً على توليد المشاريع دون الانتظار أو الاعتماد على وجود قيادة مركزية، أو قائد كاريزمي، يسهل على النظام الدكتاتوري قمعه ووأد حركة المجتمع التغييرية في مهدها بالقضاء على قيادتها.
إنها مشاريع متعددة من أكثر من جهة، تشكل انتشاراً استراتيجياً من المشاريع التي تعم المحتمع،وهذا التبعثر الفعال لا يعني أن أحداً خطط لكل مجموعة دورها، وضمان فاعليته هو وضوح خارطة الصراعلجميع العاملين والنشطاء، ومعرفة احتياجات المرحلة، والمساحات التي يجب بذل الجهد فيها، والمساحات الفارغة التي يحتاج من يملأها ويقوم عليها، إنها مشاريع متناثرة لا تجمعها قيادة مركزية، لكن وضوحالبوصلة وتوفير الاتجاه العام يضمن فاعليتها. أما حركة المشاريع نفسها فهي ليست مدروسة من قيادة مركزية، لكنه تيار يجري بين ضفتي نهر التغيير، تلك الضفتين التي تحولان دون خروج التيار عن مساره، وتمثل الضفتين هنا خلفية فكرية مشتركة عن ثقافة التغيير، وأدوات الفعل، ووضح استراتيجية المرحلة. وفهم خارطة الصراع، ومكان كل مشروع من هذه الخارطة. للحيلولة دون إقامة مشاريع تعمل في فراغ استراتيجي.
ويستمر هذا التناثر – وإن صاحبه تنسيق أحياناً بين بعض المشاريع – حتى تستطيع قوىالمقاومة من نقل قطاعات متعددة من مقعد المتفرج إلى ساحة الفعل، عبر مشروعات متنوعة تستوعب طاقات المجتمع، وتبرز في المجتمع حينها قياداته الجديدة التي أنضجها الفعل، والتي أفرزتها المشروعات.وغالباً ما تكون القيادة الفكرية للحراك في هذه المرحلة متمثلة في أصحاب الرؤى والقيادات الفكرية ومراكز الدراسات والأبحاث التي توفر اتجاه الفعل، وتتابع استجابة النشطاء، وتختبر مدى فاعلية هذه الاستجابة، فتتطور رؤى أصحاب الفكر باستجابة النشطاء ومبادراتهم، كذلك بدراسة التأثيرات المختلفة لهذه التحركات على النظام الاستبدادي.
وعندما يملأ المجتمع بقواه المختلفة الفراغات المطلوبة، تأتي الفرصة لحشد هذه القوى في فعل واحد، في حملة موحدة لتحصيل النتيجة النهائية المطلوبة وهنا تأتي لحظة “التجمع السليم”، وحينها يصبح التجمع فعالاً ويصعب استهداف قياداته، بعد أن تدرب المجتمع على العمل بدون قيادة مركزية. ويحتاج هذا التجمع عادة نوعاً من المركزية خاصة فيما يتعلق بتحديد شكل الفعل الحاسم، واستراتيجية تنفيذه، وتوفير البدائل في حالة فشله، لذلك قد تتجمع الجهود تحت إطار جبهة وطنية، تمثل قوى التغيير من خلال قيادة قادرة على القيام بدور المرحلة من تمثيل المقاومة والتفاوض في بعض الحالات.
ويحتاج هذا النوع من الفعل وهذه الاستراتيجية بنية تنظيمية في شدة المرونة، سواء داخل الحركات أو الأحزاب أو شرائح المجتمع المختلفة.
أحمـــد عبد الحكيـــم د/ هشـــــام مرسي م/ وائـــل عـــادل
13/5/2007
———————————
[1] منير شفيق، نظريات التغيير، الدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت
[2] نفس المصدر السابق
[3] صلاح أحمد زكي، تجديد الفكر المقاوم.. نحو نظرية للأمن العربي.