الجمعة, 23 يناير 2015
زلزال العقول

تظاهرة ضد كابتن ماجد

قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 23 يناير 2015

إدارة الغضب الفعال

انزل ياللا يا كابتن ماجدفين الوعد يا حلو يا جامد

انزل ياللا يا كابتن ماجدفين الوعد يا حلو يا جامد

احتشدتُ مع المئات في الشارع على صوت هذا الهتاف.. تسلقتُ أطراف أصابعي محاولاً اختلاس نظرة إلى من يتزعمون تلك الهتافات… لكنني لم أتمكن.. سألت أحد المتحمسين: “مَن كابتن ماجد؟! هل هذا تجمع لأحباء قناة “سبيس تون”؟!”

نظر إلي الرجل نظرة احتقار دون أن يجيبني، لكنه صرخ متحمساً مستكملاً الهتاف.. “يا حلو يا جامد”.

اخترقتُ التظاهرة المستديرة بصعوبة وخرجت منها أطوف بها، فوجدت فتاة بجواري تهتف برقة.. “انزل ياللا يا كابتن ماجد”.. فقلت لها هامساً: “لعله يبحث عن الكرة.. أو فقد جوربه فحُشر تحت السرير بحثاً عنه ولم يستطع إخراج رأسه من تحت السرير”.. حينها نظرت إليّ مبتسمة ابتسامة صفراء، ثم صَرَختْ “بِخْ”، ثم انهالت علىّ بصفعة قوية. فانسحبتُ سريعاً لا أصدق ما حدث لي. لكن الفضول جعلني أقف بعيداً أرقب هذا التجمع العجيب الذي لا يتمتع بأية روح مرحة.

فجأة وجدتُ أحدهم يرفع صورة ثم يشعل فيها النار، كانت صورة لشخصية كبيرة في السن ربما في الخمسين أو الستين من عمره. توجهتُ إلى أحد المشاركين أسأله أن يشرح لي بعضاً مما يحدث.. فابتعدنا قليلاً ووقفنا في مكان يمكننا من رؤية الحشود التي تزداد تباعاً.

قلت له: من هذا الشخص صاحب الصورة؟

أجابني: إنه الأستاذ ماجد.

علقت متعجباً: لكنه لا يشبه الصور التي نراها في قناة “سبيس تون”!!

صرخ بعصبية: هذا ماجد مدكور… رئيس حزب “أنا”. أكبر حزب معارض في البلد.
سألته مندهشاً: ولماذا تنادونه؟! ولماذا حرقتم صورته؟! وما علاقة هذا بـ “سبيس تون”؟

أجاب وبصره معلق بالتظاهرة: حزبه يدَّعي أن لديه رؤية تقودنا إلى بر الأمان، وتصور شامل لعلاج مشاكلنا. لكنه لا يحرك ساكناً، والحكومة كما تعرف لا تعبأ بحاجات الشعب، فهي لا تجد من يضغط عليها بجدية. فالحكومات لا تستأسد إلا في غياب قوى الضغط الفعالة.

سألته: ولماذا لا تنددون مباشرة بسلوك الحكومة؟ لم لا تضغطون على الحكومة طالما أنكم مدركون غياب قوى الضغط الفعالة؟

أجاب: نحن لم نهتف هتافاً واحداً ضد الحكومة، لأننا…

قاطعته: من أنتم؟

أجابني: نحن حركة “بِخْ” للرقابة على المعارضة. كل وظيفتنا الضغط على المعارضة كي تقوم بمهامها، فمن السفه أن تخرج الشعوب -بقيادة المعارضة- مع كل أزمة لتصيح في الشوارع بنفس منطق القرن العشرين، فقد انتهى القرن دون أي تغيير يُذكر، وأصبح تكرار المشهد مملاً.. الشعوب بطبيعة الحال جماهير عريضة لا تخطط لمدى بعيد، لكنها قد تعبر عن عاطفتها ورأيها، أما الأحزاب وقوى المعارضة فهي القادرة على وضع خطط عملية متصاعدة للضغط الحقيقي وتوجيه الشعوب نحو مسارات فعالة.

توقف عن الحديث قليلاً متابعاً التظاهرة ثم استطرد قائلاً: فالحكومة ليست وحدها ظالمة أو متقاعسة، المعارضة حينما تفتقد أدوات الضغط، أو لا ترغب في الضغط الحقيقي؛ تصبح أيضاً جزءاً من الكابوس، والشعب إن لم يتمكن من التعامل مع الحكومات فهو جدير بالتعامل مع المعارضة وإيقافها عن عبثها.

سألته بجدية: وما الذي لا يروقكم في المعارضة الآن؟

طلب مني الصمت.. فها هو أحدهم يمسك مكبر الصوت ليلقي كلمة في الجماهير:

“أيها الشباب… لكَم تحدث حزب “أنا” المعارض عن امتلاكه رؤية للتغيير، لكن كما ترون… لا زال يشجب ويندد مثل أي طفل صغير في الشارع. المعارضة تتملص من مهامها، وتكتفي بأعمال احتفالية استعراضية حتى تخور قوى شبابها، وتمتص حماسهم، وترضي عاطفتهم.. ثم تلكمنا في النهاية بنكتتها السخيفة الدامية التي تقول إن الوضع أكبر منها وليس بإمكانها سوى الاحتجاج.

نحن اليوم نحاصر بيت كابتن ماجد.. ترى هل سيقمعكم بأبناء حزبه؟! أم أن أغلبهم يهمس بما تصرخون به؟! أم أن أغلب هذه الجموع هي بالفعل من أبنائه المخلصين للوطن؟! إننا على ثقة أن أبناء حزب “أنا” سيعلنون العصيان على كابتن ماجد… ولن يلتزموا بأوامره أو يتحركوا إلا في ضوء تصور مقنع فعال”.

انفجرت الجموع بالتصفيق…

قلت للرجل الذي كان يحدثني منذ قليل: لعل حزب “أنا” يخطط للمستقبل باعتبار الاحتجاج خطوة على الطريق!

أجاب بسخرية: يا أستاذ.. الأحداث التي نعاني منها تتكرر سنوياً منذ عشرات السنين، لا يوجد أي شيء جديد أو مفاجيء، لا عذر لمن يريد التخطيط للمستقبل إن لم يفعل.. حزب “أنا” لا يخطط إلا للاستمرار في تمثيلية المعارضة السخيفة.

قلت: إذن دوركم هو إسقاط المعارضة؟

أجاب: ليس بالضرورة.. دورنا هو مقاومة الدجل، أن ندفع المعارضة إلى طرح حلول جادة بعيداً عن الخطب والشعارات الفارغة. دورنا هو الرقابة على المعارضة لا الاكتفاء بمعارضة المعارضة، فإن أحسنت أشدنا بدورها، وإن أساءت دفعناها للتغيير.

انطلق الهتاف..

كابتن ماجد اشجب والعنصوتك ساحر حلو يجنن

قلت للرجل: لكن المعارضة عليها ضغوط قوية من قبل الحكومة، فلا تسطيع تنفيذ برنامجها.. والجماهير أحياناً تكون حالمة وتطالب بأمور خيالية.

قاطعني: اسمعني.. والحكومة أيضاً عليها ضغوط من المجتمع الدولي.. والمعارضة في نظرها ليست إلا مجموعة من السفهاء لا يلمون بتعقيدات الواقع.. إذا سلمنا بهذا المنطق فلن يتغير الواقع. نحن ندعوا للتوازن.. للتحرك في إطار الممكن، وهناك الكثير من الممكن لا تفعله المعارضة في ضغطها، وبالتالي لا تنفذ الحكومة أيضاً الممكن الذي في وسعها.

فجأة صعدت الفتاة التي صفعتني لتلقي كلمة..

“يا كابتن ماجد.. بِخْ.. سنظل نضغط عليك وعلى حزبك… لأنك وعدتنا أنك ستخطط لتقويض لامبالاة الحكومة، والضغط عليها لتحقيق مطالب الشعب. فإن كانت تنقص حزبكم أقلام كي تكتبوا خطتكم.. فإليكم هذه الأقلام”.. ثم رفعت الفتاة مجموعة من الأقلام وسط هتافات ساخنة.

فين الخطة يا ماجد بيهخِلِص الحبر ولا إيه

ثم استطردت الفتاة: “ها هي المشاكل تتفاقم وأنت لم تفعل شيئاً، لذلك سيستمر الضغط على حزبكم لا الحكومة، لن نردد شعارات تندد بهذا الحاكم أو ذاك، سنندد بحزبك ومعارضتك التي تدعي امتلاكها حلولاً وأن على الناس فقط أن تتبعها، لن نحاصر قصر رئيس الدولة لأننا لم نرجُ منه يوماً شيئاً، لكننا سنحاصر بيتك ونقض مضجعك، وسنلاحقك وحزبك بحملات تكشفكم أمام الشعب. أيها الشباب دعوكم من مقولة سنعري الحكومة فهي بالفعل عارية…ابحثوا عن شيء آخر تعرونه.. واليوم هو يوم تعرية المعارضة.. فلتزجوا بقوى المعارضة من أحزاب وحركات إلى قلب المعركة، تلك المعركة التي طالما وعدت بها قبل كل انتخابات، لكنها مع كل أزمة حقيقية تَدَّعي أن الوضع أصعب من أن يتم فيه الوفاء بالوعد. لقد تحول الوعد إلى وعيد.. تحول وعد المعارضة بالتغيير إلى وعيد باستمرار الحال، المعارضة تضللكم حين تدعوكم إلى الغضب من الحكومة.. أتغضب من اللص الذي سرق البنك أم من الحارس الرقيب الذي مكنه من السرقة؟! كلاهما يستحق السخط.. لكننا سنحاسِب أولاً ذلك الحارس. إذ لولاه ما تمت السرقة”.

شرد ذهني فلم أعد أرى سوى حركة شفتيها.. فقد كانت أذني هناك مع الهتافات..

هزني الرجل قائلاً: يا أستاذ.. يا أستاذ

أجبته: عفواً… الآن فهمت… أنتم تضغطون على المعارضة. ولا تتعرضون للحكومة.. ثم أكملت مبتسماً: يبدو أنكم من أولئك الذين يؤمنون بالتخصص.

قال: بالتأكيد نؤمن بالتخصص ونبحث عن القيام بالدور المفقود. نحن نركز على بناء مجتمعات قوية، لذلك لا نلتفت لإضعاف الحكومة، بل نعمل على تقوية المجتمع، فبدون أن تتم هذه الحلقة لن يتغير سلوك الحكومة، وستظل الحكومة دائماً تواجه مجموعة من المهرجين الذين يثيرون الضحك والشفقة..

– لكنكم بذلك تسلخون المعارضة وتجرحونها.

– نحن لا نجرح، نحن نضغط. وليس كل عملنا هو الضغط على المعارضة. فجرائدنا ومواقعنا الإلكترونية قد تعكس طلباتنا من المعارضة. فإن استجابت لنا فلا حاجة إلى الضغط إذن، أما إن لم تسع بجدية لمطالبة الحكومة والتأثير في صناعة القرار بوسائل فعالة؛ فإننا نبدأ سلسلة من الضغط على المعارضة، ونستخدم كل السبل الممكنة لكي ترضخ لنا. أو نجبرها على أن تفسح الطريق لغيرها. وسلاحنا الفعال هو أبناء المعارضة أنفسهم القادرون على الضغط على قياداتهم من الداخل.

قلت: وبعد ذلك تبدأ المعارضة في حشد الجمهور عبر خطة للضغط على الحكومة، فإن لم تستجب الحكومة طورت المعارضة وسائلها، فإن استسلمت للحكومة قمتم مرة أخرى بالضغط عليها.
قال: بالضبط. بعبارة أخرى نحن نصعد سلم الغضب من أدنى درجاته، ففي الدرجة الأولى نضغط على المعارضة ونصب جام غضبنا عليها وحدها، وفي الدرجة الثانية للسلم تصب المعارضة بمساعدة الشعب -وفق رؤية واضحة- غضبها على الحكومة، وفي الدرجة الثالثة تصب الحكومة بمعاونة المعارضة والشعب غضبها على أعداء الوطن. هذه فلسفتنا لطبيعة عمل أدوات المجتمع في إدارة الغضب، فالمعارضة رقيب على الحكومة، وحركة “بِخْ” رقيب على المعارضة، وكما نطالب المعارضة بامتلاك أدوات فعالة للضغط على الحكومة، فإننا كرقباء على المعارضة نمتلك أيضاً أدوات فعالة للضغط على المعارضة لتقويم سلوكها أو إزاحتها.

قلت له وقد أدهشتني فكرة أن تتخصص مجموعة في تقويم المعارضة لا الحكومة: لِم لا نتجه للمشاركة مع هذه الجموع؟

فانطلقنا واخترقنا الصفوف. كانت الهتافات لازالت تتكرر..

انزل ياللا يا كابتن ماجدفين الوعد يا حلو يا جامد

سألت من بجواري أن يحملني… أخذت أهتف:

حركة بِخْ يا كابتن ماجد….أمل العصر و

لم أكمل الهتاف … فقد أيقظني فجأة صوت المنبه… فتحت التلفاز لأتابع الأخبار متفقداً الجماهير الغاضبة لعلي أجدها بينهم.. تلك الفتاة التي صفعتني… لكن حركة “بِخْ” لا أثر لها… اللهم إلا في أحلامي.

دَخَلَتْ طفلة أخي الصغيرة غرفتي، أغمَضَت عيني بكفيها الصغيرين الناعمين تحاول بث الرعب في قائلة: “بِخْ”، رفَعْتُ يدها… وقَبَّلْتُها… فقد رأيت فيها تفسير حلمي، فليس سواها فتاة “بِخْ” المرتقبة. وأرجو ألا أكون الشخص المبشَّر بصفعة منها على وجهه يوم تكبر، فضلاً عن أن أكون “كابتن ماجد”.

وائل عادل

29/12/2008


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.