قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 23 يناير 2015
فن توديع الأفكار
تزاحمت الكاميرات لالتقاط الصور… أصباتني الحيرة… لماذا يصور الناس ذلك المشهد؟! هل يحتفلون بغروب النور أم قدوم الظلام؟! ولماذا يُوَدِّع النور أرضنا بهذا السحر الخلاب؟! تماماً مثلما يفعل صباحاً مع أول شعاع للشمس يشق الوجود!
إننا نعيش مشهداً تاريخياً، مشهد الغروب البديع، غروب أفكار وإشراقة أفكار جديدة، غروب أطروحات وزعامات ومشاريع وإطلالة أطروحات وزعامات ومشاريع، إننا في المجمل نشهد عن كثب أفول عصر وبزوغ عصر جديد.. فيالروعة المشهد!!
ولا ينبغي أن نأسف على مشهد الغروب أو نحاول منعه، أو نخدع الذات بتثبيت الصورة قليلاً، فمشهد الغروب يحمل جمالاً لا يقل روعة عن تلك التي يبهرنا بها سحر الشروق. وعلينا أن نقف جميعاً لنصفق بحرارة لغروب الأفكار مثلما نصفق بحماس للأفكار المشرقة القادمة، فقد لعبت دوراً على المسرح، وآن لها أن تغادره، وآن لفكرة جديدة أن تفوز بإعجاب الجمهور، وإلا أصابه الملل واليأس من متابعة مسرح الأحداث فضلاً عن الرغبة في القيام بدور الممثل لا المتفرج.
قد يصفق البعض للأفكار قُبيل خروجها من خشبة المسرح إما تقديراً لها، أو تعجيلاً بخروجها، أو نشوة بمشهد الأفول. ولن تعنينا كثيراً هنا الدوافع، المهم أن نصفق بحرارة لتلك الأفكار التي فقدت مبررات وجودها.
واستراتيجية التصفيق الحار قد تُستخدَم بمكر لتدمير الأفكار ذاتياً، فكم من شاب كان يحلم بالوقوف على خشبة المسرح وهو ناضب الموهبة، غير أن مبغضيه أغروه ليتقدم إلى اختبار المسرح، فانتفخ زيفاً، ثم وقع دون أن تقوم له قائمة. فقد تم إيهام الفكرة المراد إزاحتها أنها تسير في الطريق الصحيح، لتتوقف حركة النقد فيها، وتظل حاملة صورة مشوهة عن الواقع وسبل معالجته، منطلقة بكل اندفاع نحو نَحْبِها، فكل تصفيقة حارة تعني إكساب الفكرة مزيداً من الغرور يمنعها من المراجعات، وكل صافرة إعجاب تعني دفعة محكمة للفكرة كي تصطدم بالحائط.
ويمكن أن نفكر بطريقة أكثر رحمة، فنترك للأفكار الآفلة ممراً تخرج منه، خاصة عندما نريد التعجيل بخروجها بعد أن استوت أفكار أكثر نضجاً وفعالية. تخيلت الممثل بعد أن أنهى دوره وأُسدِلت الستارة من خلفه يحاول أن يجد مخرجاً منها، لكنها بدت مصمتة بلا منافذ، فأصابه التشنج، وتصبب العرق منه وهو يذرع المسرح ذهاباً وإياباً منقباً عن فتحة في الستارة المسدلة دون جدوى، فانفجر الجمهور ضاحكاً، فصب الممثل بدوره وابلاً من السباب عليه، وأصبح قدراً حتمياً على الجمهور أن يتابع حركته على المسرح ويتلقى وابل السباب إلى أن تُحَّل الأزمة.
قد يكون من الحكمة أحياناً أن نسمح للأفكار الآفلة بالخروج من عالمنا محفوظة ماء الوجه، لتسير جَزِلة في قناة محددة عبر ممرات مدروسة تصل بها إلى متحف الأفكار، حيث يزورها المئات كل يوم!!
وائل عادل
10/11/2008