قسم: جديد الأكاديمية, مقالات متنوعة
أضيف بتاريخ: 23 يناير 2015
مناسك الثورة هي رياضة عقلية وروحية تتجدد فيها معاني الثورة. فيها ينتعش العقل، وتُصقل الروح، وتُشحذ الهمم. نترككم مع الإرشادات ونتمنى لكم ثورة مقبولة، ومجتمعاً قوياً، واستبداداً إلى زوال:
في البداية انصب صنماً للظلم (من صناعتك) وارجمه بالدبابيس كي تطرد أي أثر لموالاة الظلم من قلبك وعقلك، كما تغيظ الظالمين بذلك الفعل المتجدد الذي يؤكد أن مصير الطغيان – في نفسك على الأقل – إلى زوال. وصناعة الأصنام سهلة. بالونة منفوخة يمكن أن تفرقعها بدبوس.. هذه هي حقيقة الأصنام. فجدد حقيقتها في وعيك. أنت من يصنعها، وأنت من يحدد خامتها.
بعد أن تفرغ شحنتك النفسية في قذف صنم الظلم بحماس مع هتافك المزلزل، اتجه يميناً بكل أدب ثم قف في إحدى الزوايا المخصصة لنُسك “التوبة”. لا تقلق لن تفقد الطريق.. ستجد لافتة كبيرة مكتوب عليها “حمار”. نعم هذه .. قف تحتها وابدأ النسك.. خذ من جبل القطن الذي ستجده قطعتين سد بهما أذنيك. وأخف عيناً وأظهر الأخرى لترى بعين واحدة. فهكذا كنت.. أصم وأعور.. ثم اخلع نعلك واضرب به نفسك مائة ضربة. وتذكر خطاياك الثورية وحماقاتك الفورية. لتؤكد لنفسك وللجيل الذي يستعد من بعدك أن كل إخفاق أصاب ثورتك، كان لك فيه يد. وإذا وجدت شخصاً مجاوراً لك في هذه الزاوية، ويترفع أن يضرب نفسه بالنعل؛ فاضربه أنت ولك الأجر.
الآن بعد أن أظهرت إعلانك للظلم، وتطهرك من الخطايا والحماقات؛ ابدأ بتجديد الروح الثورية من جديد بارتداء درع صممته بنفسك، تنافس به المشاركين معك في المناسك، متباهياً بجمال شكله ومتانة صنعه، وهو رمز لمفهوم الحماية، مؤكداً أنك لن تخطو خطوة إلا إن عرفت كيف تحميها.
ثم توجه بالدرع بكل حماس وحيوية إلى نٌسك “الشجاعة”، لتتذكر الأيام العظام التي خضت فيها الملاحم التي تعتز بها، والتي شدت أنفاس العالم. وهناك ستتلقى وابلاً من الأحجار الصغيرة لمدة خمس دقائق. ستختبر درعك وصمودك، وتفانيك وتلاحمك مع الآخرين. ثم ابدأ الهجوم بالهرولة نحو جبل ترابي ترفع عليه علمك الذي تمتشقه من خلف ظهرك كفارس يشهر سيفه.
بعد ذلك توجه إلى نُسك “العقل والمكيدة”. ستجد لوحة كبيرة ترمز للعقل.. عندها أخرج القربان الذي تتقرب به للثورة، ورقة صغيرة بها فكرة مبتكرة تزعم أن أحداً لم يسبقك إليها. قد تكتب فيها فكرة لنشاط معين، أو سيناريو لرد فعل مقترح، أو فكرة لتأسيس مشروع فعال. إنها الفكرة التي ستهديها لمشروع التغيير والثورة في عامك اللاحق. وبذلك تتجمع في هذه المناسبة السعيدة آلاف الآفكار المبتكرة، التي تؤكد قوة الإبداع وأهميته لاستمرار الثورة.
ثم ابدأ في نسك “استعراض الأخطاء”. وهو معني بالأخطاء العامة وليست الشخصية، وفيه ستجد مهرجاناً رائعاً يعرض فيه كل شخص بشكل مبتكر شيئاً خاطئاً لم يكن ليحدث. ربما هتافاً مفرقاً أو تكتيكاً عابثاً، أو قراراً خاطئاً. ولا تتعجل في الاشتباك مع المخالفين لك في الرأي، فهذه ليست فقط مساحة للتعبير عن الرأي، ولكنها مساحة لنتعود على الاجتماع معاً مع اختلاف آرائنا وتقييمنا للمواقف، وأن نعرف كيف يرانا الآخرون بكل وضوح، ويعرفون كيف نراهم.
أما الاشتباك فلن يفوتك.. ستشتبك في نسك “الدوامة”. ولكن بعد أن تستريح قليلاً. ففي هذا النُسك ستجد كل الأمور مختلطة، ساحة مليئة بالضجيج، سيارات متصادمة كتلك التي في الملاهي، الكل يذهب إلى لا شيء، والكل يزعم أن هذا طريقه والكل يصطدم بالكل أو يتفادى الكل. وهومشهد متكرر في الثورات، حين يحتدم الصراع ويغيب المعنى!! ثم تكتشف أن الخصم هو من نصب الحلبة.
يأتي بعد هذا الشد العصبي نسك “الوفاء”. وفيه تزيل الضغينة من قلبك، وتغفر لكل صاحب سبق في الثورة، حتى لو أخطأ طريقه عن غير عمد، أو شُغل عن الطريق وافتقده الجميع. عندها تجدد إنسانيتك وتعترف بأن الآخرين بشر يصيبهم الفتور والضعف، أو تغيير الرأي والمسار. وتَذكَّر أنه لولا القلة التي بدأت لما كانت الأمواج البشرية اللاحقة. فكُفَّ أذاك عنهم ما كفوا أذاهم. كذلك اترك في نسك الوفاء رسالة لكل أسير، لعلها تخفف عنه وترفع معنوياته، خاصة حين تصله من آلاف الناس.
كانت هذه جولة تعريفية بالمناسك.. وتذكر اجتناب أمرين:
الأول أن تتسلق الأشجار. فستجد الكثيرين يتسلقون الأشجار رغبة في ثمارها السريعة، هؤلاء ثورتهم باطلة وغير مقبولة. لكن يمكنك أن تضع صورة شهيد أو أسرة مكلومة على كل شجرة تجدها في طريقك، لعل المتسلقين يرون حجمهم الحقيقي.
أما الأمر الثاني فاحذر ممن يخبرونك أن نُسك “العقل والمكيدة” لا داعي له، ويغني عنه نُسك “الشجاعة”.. احذرهم فسيخدعونك قائلين.. أنه سنة وليس فرضاً!!
وائل عادل
22-01-2015