كان مارتن لوثر كينج يرى أن من أكبر التحديات التي تواجه حركة السود في أمريكا، عدم إحساس الناس بالأزمة أو تقديرهم لها، الصراع يُشن ضد الديكتاتوريات، لكنه قبل ذلك ضد وهم الطمأنينة والرضا النفسي لدى الجماهير.
الفكرة في الفيديو
الشرح من كتاب (حرب اللاعنف.. الخيار الثالث) الطبعة الثانية
تسعى حرب اللاعنف إلى تزويد الحق بمنطق وأدوات شن الصراع لسحق الباطل، فما معنى غياب الصراع في مجتمع تضيع فيه الحقوق وتصادر الحريات ويعم الظلم؟! إن غياب الصراع في مثل تلك المجتمعات ليس فضيلة وتحضراً، ولكنه جريمة ترتكبها المجتمعات في حق نفسها، حين تترك الباطل يحكم دون أية منغصات. ولا ينشب الصراع بسبب وجود الباطل فحسب، فوجود الظلم والفساد قد لا يلازمه اندلاع الصراع بين الحق والباطل، خاصة إن لم تتوفر الرغبة أو القدرة لدى أنصار الحق على خوض الصراع. وحين يكون الوضع هكذا (باطل لا يواجه مقاومة)؛ يستقر الباطل ويطور أساليب طغيانه، بينما يدفع أهل الحق تكلفة باهظة جراء سكونهم، فيعاني الحق وأنصاره من اضطراب وعدم استقرار نتيجة السحق المتكرر من قبل الطغاة. حينها تأتي حرب اللاعنف لتؤكد ضرورة شن الصراع لعكس المعادلة، وهي في الحد الأقصى تريد لقيم العدل والحرية أن تنتصر، ولوسائل الصراع السياسي أن تكون حضارية متمدنة. وفي حدها الأدنى تعمل على ألا ينعم الطغاة بالاستقرار، وتكون تكلفة طغيانهم باهظة. ويكفي وجود الباطل مبرراً أخلاقياً للحق كي يشن الصراع لدحض الباطل.
وعندما يتهيب الناس العصيان، أو يتركون الطغاة يعيثون في الأرض فساداً؛ حينها يكون واجب قادة “حرب اللاعنف” إذكاء ميول الجماهير العدوانية- بحسب تعبير مارتن لوثر كينج- كأعداء للظلم، وتزويدهم بأدوات إشعال الصراع والانتصار فيه. وهو صراع مشروع إذ تتوفر المبررات الأخلاقية لشنه، والوسائل الحضارية لخوضه. وينتج جراء غياب الوعي بضرورة إشعال الصراع استتباب واستقرار الظلم،
لذلك عندما نقول في تعريف “حرب اللاعنف” إنها “شن الصراع الحاسم على الخصوم”؛ فهذا يعني تركيب أنياب ومخالب للمجتمعات بحيث لا ترضخ للظلم، وتتمكن من إشعال صراع ينتصر للإنسان والقيم النبيلة، ويُكَدِّر صفو الظالمين، وينزع بساط الاستقرار من تحت أقدامهم. وهو صراع حاسم لأنه لا يدخل في تسوية مع الظلم، أو صفقة مع الديكتاتوريات، إنه يطيح بها دون رجعة.
ملحوظة: يراعى فيما سبق أمرين:
عدالة القضية: وإلا تحول الأمر إلى إفساد في الأرض وتحريض على الباطل.
رقي الوسائل: حتى لا يتحول الأمر إلى أحداث شغب. يسئم الناس منها بعد فترة ويتمنون لو عادوا إلى ما كانوا عليه من وضع سابق رغم مرارة الظلم فيه.