قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 22 يناير 2015
المشروع الأساس والمشاريع الداعمة
مضى زمن طويل على الإعلان… “قريباً تُفتتح سينما الأحلام“… كنت كلما مررت أمام موقع السينما أتلمس خبراً أو تسريباً عن فيلم سيُعرَض قريباً… لكن دون جدوى. أما عزائي فكان استمتاعي بـ”الفيشار”.
فقد جهزت إدارة السينما المكان تجهيزاً جيداً، فهنا يباع “الفيشار” اللذيذ الذي لا يُقاوَم، وبجواره توجد دورة المياه الفخمة.
مر عام وإذ بي أجدني أمام السينما… لأرى أفواجاً هائلة من البشر… قلت في نفسي لاشك أن فيلماً رائعاً سيُعرض الآن، لكنني وجدت الأفواج متكدسة أمام دورة المياه العامة وبائع “الفيشار”، أما السينما فقد كانت مهجورة الأنوار خاوية من الأفلام.
كنت قد سمعت أن صاحب مشروع السينما أحد رجال الأعمال الذين يحملون رسالة تنوير في المجتمع، لكنني لا أدري.. ما الذي حدث؟ هل تحول مشروع التنوير إلى مشروع تنفيس في دورة مياه؟!
أسرعت إلى مكتبي لأكتب مقالاً عن مشروع “سينما دورة المياه”، وبعد أن نُشر المقال إذا بصاحب المشروع يتصل بي ساخطاً، قال لي لقد ظلمتني بقلمك اللاذع. سألته أن يهدأ ويكمل حديثه، أجابني أن مشروع السينما ليس مشروعاً تنويرياً فقط، فهو أيضاً مشروع تسلية ومشروع راحة نفسية، وقد حققنا هدف التسلية من خلال “الفيشار”، وهدف الراحة النفسية بقضاء حاجات الناس في دورات المياه، ولا يمكن شطب المشروع كاملاً لمجرد أن السينما لم تعمل، ثم استطرد قائلاً: هل تعلم أننا حصلنا على جائزة أفضل دورة مياه عامة على مستوى القُطر؟؟ هل تعلم أن عدد الوافدين إلينا يزداد يوماً بعد يوم؟ هل تعلم كم نُنَفِّس من كربات المارة الذين يجدون في دورة المياه ملاذاً لهم كما يجد الظمآن في الصحراء بئر ماء؟!
قلت له: هل تعلم أن كلامك مؤثر جداً؟؟. وهل تعلم أنني ازددت يقيناً بما كتبت في المقال؟!
أحياناً تضيع البوصلة لدى أصحاب المشاريع، وينشغلون بالمشروع الفرعي عن الأصلي، بالمشروع الداعم عن المشروع الأساس. فقد كان هذا المشروع مُصَمَّماً من أجل عمل تنويري فني، إلا أن المشروع الداعم طغى، فصار الهدف إدخال الأطعمة في البطون، وإخراج عشرات الأطنان من منتجات الصرف الصحي.
وأصحاب المشاريع النابهون يحذرون السقوط في فخ المشاريع الداعمة، فإذا وقفت أمام بائع “الفيشار” وسألته ما إنجازك؟ فأجابك أنه أحضر الوقود لإشعال النار، وجلب الحبوب لصنع “الفيشار”، حينها ستعتبره مخبولاً، فهذه أنشطة ليست مطلوبة لذاتها، وإنجازه الحقيقي هو بيع “الفيشار”وإسعاد الناس. وأغلب المشاريع تحيط بها حزمة من المشاريع والأنشطة الداعمة، ولا يمكن اعتبارها إنجازاً في حد ذاتها؛ فضلاً عن أن تتحول إلى وسيلة عرقلة لتقدم المشروع الأساس.
فقد كثر عدد مرتادي دورة المياه وآكلي “الفيشار” بشكل يعرقل وصول المستفسرين عن الفيلم المفقود إلى مقر إدارة السينما، ولو كان كل مشروع داعم يعمل على حدة لفسدت المشاريع ولطغى بعضها على بعض، فالمشاريع الداعمة لا يمكن فهمها إلا في سياق المشروع الأساس، فجمهور مشروع “فيشار” فحسب سيختلف عن جمهور مشروع دورة مياه فحسب، ومشروع دورة المياه مقترناً بمشروع “الفيشار” يكتسب معنى آخر في ظل وجود السينما، ففي هذه الحالة سيكون الجمهور المراد هو عاشق السينما، وليس آكل “الفيشار”. إن المشروع الأساس هو الذي يُكسب المشاريع الداعمة معنى ومبرراً للوجود، ويقرر حدودها حتى لا تتغول عليه.
لذلك لا يُعقل أن يحتج صاحب السينما بأن مشروعه ليس سينما فقط، إنه سينما و”فيشار” ودورة مياه. فهذا النمط من الإجابة يعكس هروباً من إجابة السؤال، والمؤسسات الجادة لا تحدد أهدافاً زئبقية، كلما سألتها عن مدى نجاحها في هدف تجيبك أن ليس هذا هو الهدف الوحيد، نحن لدينا هدف ثان، فإن سألتها عن الثاني تحيلك إلى الثالث، وهكذا تتقاذفك الأهداف. إن تمييز الهدف الأساس من الداعم يعني إمكان التقييم والتقويم بالنسبة لأصحاب المؤسسة والراصدين لنشاطها.
قلت لصاحب المشروع.. طالما أن الأهداف تتساوى عندك؛ لم لا تسميه مشروع “دورة المياه”؟! فأنت تؤمن أن السينما ليست الهدف وحدها، فليكن مشروع “دورة المياه”، والسينما خادمة له.. واسأل أي عامل في مشروعك عن الهدف، سيخبرك بعد أن يسد أنفه بيده: نقضي حوائج الناس ونخفف عنهم.
ربما قضى صاحب المشروع وقتاً طويلاً في التجهزي لبيع “الفيشار” وترتيب دورة المياه، وكل هذا لا يشفع له، لقد تحول رجل الأعمال صاحب الرؤية الفنية التنويرية إلى بائع “فيشار”. أظن أن عنوان مقالي في نقده لم يكن متجنياً… “متى سيبدأ العرض؟؟”
في اليوم التالي رأيت طفلاً صغيراً يخرج من دورة المياه الفخمة، بعد أن أكل “الفيشار” اللذيذ، سألَتْه أمه بصرامة … هل قضيت حاجتك؟؟ علمت من إجابته أنه ابن صاحب المشروع، فقد تنهد مجيباً: لا.. لكنني قمت بعمل عظيم، فقد أرخيت الحزام وأرسلت السروال!!
وائل عادل
15/7/2008