الأربعاء, 21 يناير 2015
زلزال العقول

حرر عقلك

قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 21 يناير 2015

من عالم الظلال إلى عالم الأفكار

 

ها هو يكبر… الآن يصغر… سأحوله إلى طائر… لا… بل كلب!! بدأتُ أشكل الظلال من خلال ضوء شمعة في حجرتي المظلمة، فاستجابت للعبتي الجمادات، وبدأ كل شيء يترك بصمة ظله على الحائط.. المكتبة، التلفاز، زجاجة الماء، ثم كان كفِّي هو بطل المسرحية، يمثل أدوار الحيوانات، وعندما انتفضتُ واقفاً.. خشعت كل الظلال مرتعشة أمام ظلي المهيب.

فجأة.. عاد النور من جديد بقوة، فدخلت الظلال جحورها إلا قليلاً.. ثم أُسدل الستار!! سألتُني… هل حزِنَتْ الظلال لاختفائها؟؟ لكن الظلال لا تحس.. هل تعلم أنها ليست قائمة بذاتها وأنها انعكاسات أجسام أخرى؟؟ أم تظن نفسها عالم الحقيقة الذي احتله النور؟؟ سألتني من جديد.. ولم لا أكون أنا ظل شيء آخر؟؟!!

فالواقع المرئي أشبه بلعبة إلكترونية، يتنافس فيها الأبطال، فيقفزون، ويركضون، وهذه الحركات كلها ليست إلا انعكاس عقل اللاعب المتحكم في اللعبة بمفاتيح الكمبيوتر، ترى هل يلعب فعلاً داخل الحاسوب، أم أن اللعبة تدور بالأساس في رأسه؟؟!!

فلو ابتعد عن اللعبة قليلاً ليحضر بعض أغراضه لرأيته يكمل اللعبة في عقله، ويضع السيناريوهات المستقبلية التي سينفذها. أما درجة نجاحه في تطبيق فكرته فهي درجة الظل، ما بين باهت وواضح، ضخم أو ضامر. فالواقع الذي نراه أشبه بآنية طعام كُشف غطاؤها فانطلق البخار منها، لكن ليس الذي داخل الإناء هو البخار فحسب، إنه انعكاس يدل على وجود طعام ما في الداخل، وتخيل العقول وقد فقدت غطاءها فتكشفت، فانطلقت الأفكار منها لتدب بحيوية حتى صارت معاينة للجميع، حينها ستكتشف أن دخان الحروب تكثف في عقل قائد الحرب قبل أن يتكثف في سمائه، بالضبط كما تكثف البخار داخل الإناء قبل كشف الغطاء، ولأدركت أن راية الاستسلام حُشرت داخل العقل قبل أن تُستجلب الأقمشة البيضاء، وتتجلى ظلالها على الأرض.

وكثير مما نراه في حياتنا- في السوق، والمدرسة، والجامعة، والنادي…الخ- من حركة وعمل وبيع وشراء هو شلال من الأفكار المتحركة. فهذه امرأة فكرت في شراء وجبة شهية لابنها الرياضي فتنكرت فكرتها في مظهر امرأة في السوق، وهذا الابن أُغرِم عقله بالرياضة، فارتدت فكرته ملابس بحمالات، وبدأت تصوب كرة السلة نحو هدفها، أما ذلك الهدف فليس إلا انعكاس فكرة رجل حلم بتأسيس ملاعب لكرة السلة في النادي، أما النادي فهو….

نعم… إننا نعيش عالم انعكاس الأفكار، فإن وقفْتَ في طابور مروري مزدحم ونظرت يمينك مبصراً صديقاً لك وسلمت عليه، فلا تحسبن أنك سلمت على جسده، إن عقلك سلم على عقله، وأدواتكما هي قطعة لحم مفرغة بخمسة ممرات نسميها “أصابع”!! فلحمك لا يخاطب لحمه، ولكن أفكارك تخاطب أفكاره. ترى لو لم يرد عليك السلام.. هل يغضب كفك الذي لوح له أم يغضب عقلك من رد فعله؟؟!!

أليس من المثير أن تقول لصديقك مغضباً إذا أشاح بوجهه عنك وأنت تحدثه: “انظر إليَّ وأنا أحدثك”، هل تساءلت… هل أَعرضَ وجهه أم عقله؟؟!! نفس الشيء يحدث عندما نهرته، فأنت لم تخاطب إلا عقله، وربما نظرت إلى عينه بقسوة، لكنك بالأساس تريد تغيير فكرة في عقله، أن يكف عن الشيء الذي يزعجك، وهو لن يكف عن فكرة “الإزعاج” إلا إذا استبدلها بفكرة “عدم الإزعاج”.

إن أغلب ما نقوم به ليس إلا حوار أفكار. واذهب إلى السوق إن شئت لتكتشف أنك محاط بمئات الأفكار في زي بشر، فهذا الرجل المكفهر، إنما هو انعكاس فكرة عبوسة تحتويه، أما هذه المرأة المبتسمة فهي انعكاس فكرة مرحة ضحوكة.

ثم اذهب إلى صالون الحلاقة، لتجد السؤال المحير!! هل أنت فعلاً تسعى لتجميل جسدك؟؟ أم تسعى لتجميل صورتك عن جسدك؟؟ عندما تقص شعرك هل تُرضِي فروة الرأس بتخفيف الوزن عنها؟؟؟ أم ترضي عقلك الذي يحب أن يراك في هيئة ما؟؟ تلك الهيئة “الفكرة” التي سرعان ما قد يغيرها عقلك بظهور موضة جديدة في تصفيف الشعر، حينها قد تقرر اقتلاع شعرك تماماً. وإذا كنا لا نعيش إلا في عالم انعكاس الأفكار؛ فإن ذلك يجعلنا نفكر بعمق… ما معنى تغيير الواقع؟؟ إنه هنا سيعني تغييراً جوهرياً في مصدر انعكاس الأفكار، لوقاية الواقع من وبال هذه الانعكاسات، فليست المشكلة في التخلص من مدير أو رئيس أو مجموعة ما، لأن الأفكار لا تموت بموت الأشخاص، فهي تتنقل برشاقة من عقل إلى عقل، تماماً كما رأيتها محيطة بك في السوق، فهؤلاء البشر من حولك ليسوا إلا أفكاراً متحركة، وعندما يخيل لأحد أنه اقتلع فكرة لأنه تخلص من صاحبها فهو مخطيء، ففكرة الديكتاتورية- على سبيل المثال- موجودة، تتلبس بالأشخاص، ولا تتقازم إلا بتأثير فكرة أكثر قوة وفاعلية، تتلبس بدورها بأشخاص يقاومون. لأن الأفكار تكتسب قدرتها على البقاء من قوتها وفاعليتها، وأفكار الأنبياء والفلاسفة والعلماء أمثال أرسطو وجاليليو خير شاهد على ذلك، فقد فنت أجسادهم، واستمرت أفكارهم وتجددت ظلالها، حتى أننا نراهم أحياء، بل يُدَرِّسُون لنا في الجامعات، ونجلس منصتين إليهم. لأن أجسادهم لم تكن إلا أداة للتعبير عن أفكارهم، فللأفكار أدوات كثيرة، وهي تتلبس بأجساد “شخصيات” مختلفة، قد لا يظهر ظلها بقوة، لكن هذا لا يعني عدم وجود الفكرة… ألست أحياناً تفتقد ظلك؟؟!! تبحث عنه يمنة ويسرة؟؟!! لكنك لا تشك في وجودك!!

إن المعركة الأساسية لإحداث التحولات الجذرية في المجتمعات تتركز في الجوهر وليس في العرض، في مراجعة عالم الأفكار الذي ولد ظلال الواقع. وكلما امتلأ العقل بالأفكار الحية، والتصورات الناضجة عن مستقبله وكيفية بلوغه؛ كلما كانت الفرص أكبر لتشكيل مستقبل مشرق. وهذا يتطلب إعلان معركة حتمية داخل العقل، تتقدم فيها الأفكار الجديدة، مزيحة الأفكار المعيقة بعلميتها وقوة حجتها، وبتطبيقاتها “ظلالها وانعكاساتها” الراقية، فالصراع بالأساس هو صراع أفكار يدور في العقل، والمطلب الملح لنهضات الشعوب هو تحرير أكبر قدر من العقول من أسر أفكار عبوسة يائسة جاهلة.  أما التعاطي المباشر مع الأحداث قبل تطوير الأفكار؛ فيعني أن تستمر حرب أشباح الظلال دون جدوى، فلو حاولت تقييد ظل شخص لأعياك الأمر، لكنك تستطيع تدمير ظله إن أطفأت النور…. إن دحضت فكرته.

 وائل عادل

 10/2/2008


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.