قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 21 يناير 2015
تركيب أنياب ومخالب للمجتمعات
ما أروعها … تأسرني بمشيتها، واتغزل في عينيها الواسعتين… أما شاربها…فيعيبها، إذ يخدش أنوثتها…
رأيت الهرة تكبر وتكبر أمام عيني على مدار الشهور والأعوام… فقد اقتنيتها فور فطامها. وفي ذات يوم إذا بي أسمع صوتاً غريباً… لم أعره اهتماماً… وفي يوم آخر هز مسامعي سقوط آنية في المطبخ.. انتفضت خائفاً، أبحث عن الفاعل… لمحته كعادته يفر هارباً… أسرعت بالخروج من المطبخ مغلقاً الباب خلفي… توجهت مبتسماً إلى حبيبتي… همست في أذنها أن حان دورك يا فتاتي… لقني الفأر درساً عن حرمة اختراق البيوت..
أدخلتها بسرعة… أغلقت عليهما الباب.. وانتظرت … ثم انتظرت… ثم خرج الفأر منتشياً من تحت الباب حاملاً في فمه خصلة من شعر ذيل قطتي..
تعجبت!!… لماذا إذن تُرصِّع يدها بالأظفار؟؟!! وما جدوى المخالب إن لم تقم بدورها في مثل هذه اللحظات؟؟!!… ما قيمة التنديد والشجب وإقرار الحقائق؟؟!!… أليس “القط يأكل الفأر” شعاراً تَباهَت به القطط على مدار قرون؟؟!!… لم قعدت عن ممارسة ذلك عملياً الآن؟؟!!… ما معنى الحياة حينما تحفل بفئران يزداد طغيانها، وقطط تصفع أحلامنا بقصيدة مكسورة الوزن عن القوة والعزة والحق؟؟!
بدأت أفتش وأسأل… ما بال قططنا لا تأكل الفئران؟؟!! فعلمت أن تلك القطط التي تُباع وتُشترى، تلك التي فقدت حريتها واقتُلعت من البراري، تم استئناسها، فلم تدربها أمها على اصطياد الفئران ثم قتلها وأكلها. فالقط الصغير في البراري إن لم يعض الفأر صغيراً، فلن يعضه عندما يكبر.
والمجتمعات تصبح مرتعاً للفئران عندما تنتزع منها روح المقاومة، عندما يلقن الشيخ ابنه وهم إمكانية استسلام الفأر له دون نضال، عندما تلون القطط مخالبها بأدوات التجميل، بدلاً من أن تزينها بدماء الفئران. عندها… وفي كل مرة… سنرى الفأر يسير متعجرفاً وفي فمه خصلة شعر من ذيل القطة المستأنسة.
لم يعد كبير الفئران يخشى على مملكته من القطط، فهناك من يصطاد القطط “الضالة” من الشوارع، فإما أن ينجح في جعلها مستأنسة، أو يقتلها. بل لم يعد هناك مبرر للتنقيب عن القطط الضالة في الشوارع، فهذا يزيد الكراهية ضد الفئران، لقد رأى كبير الفئران أن القطط “الراشدة” ستقوم بالمهمة على خير وجه، وستتشكل أجهزة داخلية في مجتمع القطط، تقمع أية محاولة للتمرد، أو تهدد الجنس “الفأري”. لم تعد القطط اليوم تشكل مصدر إزعاج للفئران، فالكثير منها توارث السكون، وألفه، ورَوَّج له في أوساط القطط. صار تقليم الأظافر موضة، وخفض صوت المواء أدباً، والرشاقة والخفة طعناً في جمال الهرة، وتم تربية صغار القطط المتحمسين على أن ذِكْر “الفأر” بسوء في اجتماعات القطط تحت الكراسي في المقاهي سيجر الويلات على مجتمع القطط، أما اسم “قطة” أو “بِس” فهو لا ينسجم مع روح العصر، فلنسمها “ريري“، أما الجرس المعلق على صدرها، فهو هدية كبير الفئران، التي سال لها لعاب القطط. وها هي “ريري” حارسة البيت.. تتوجه بحماس إلى المطبخ على أنغام قرع الأجراس… تهتف “نموت نموت ويحيا البيت“. فلا تتعجب إن سمعت الفأر -يتراقص حاجباه- منشداً: “هات لنا ريري.. هات لنا ريري“..
ربما تذرعت قطتي بفكرة التعايش، فالفأر يمكن أن يتعايش مع القطة، لِم َلا تريح جسدها بدلاً من الجري وراء الفأر??!! لكنها لم تفكر في مصلحة المنزل ككل، إن كان من الممكن أن يتعايش القط مع الفأر فمن المستفيد؟؟ حتماً سيُكَرِّس القط الفساد في البيت، تاركاً الفأر يعبث بكل مُقَدَّراته. حينها يعجزني تفهم أيهما أشد عداوة لي… القط المتواطيء أم الفأر المفسد؟؟!!
إن تطور المجتمعات مرهون بدرجة كبيرة بالتغيير داخل مجتمع القطط نفسه، واتهام الفئران باللؤم والسرعة والدناءة لم يقل به الأقدمون من القطط، لأنهم كانوا مؤهلين لمجابهة ترسانة أسلحة الفئران، لذلك يبدأ التغيير بإعادة نظر القطط لرسالتها في الحياة، وموقفها الحقيقي من الفئران، ونسف خرافة أن يرضخ القط لفأر، وإحياء النفس الثوري، وتعليم القطط الصغيرة الكف عن الهزل واللعب مع الفئران، وحثها على رعاية أنيابها وأظافرها، لتضطلع بمهامها التاريخية التي برع فيها أجدادها.
إن مجتمعات لا تملك أنياباً ومخالب فعالة لن تكون إلا مرتعاً للفئران، وهذا لا يعني تأسيس مجتمعات الفوضى والكراهية، فالقطط المحترفة لا تلوث أنيابها أو مخالبها بالدماء؛ ولا تسعى للدخول مع الفئران في معركة مباشرة؛ بل تبرع في ردعها عن التفكير ابتداء في الاقتراب من البيت، فتستعرض طول مخالبها، وتبرز لمعان أنيابها، إنها تتجنب تشويه البيت بمعارك دموية، لكنها في نفس الوقت تعلن أنها ليست خادماً لاستقرار مملكة الفئران؛ نافية عن نفسها أنها وسيلة للترفيه عنها، ومؤكدة أنها إن لزم الأمر ستستعيد دورها التاريخي.. مُصَرِّحَة بإيمانها بالتهام اللحم الحي، وكفرها بأكل المُعَلَّبات التي تقدم إلى القطط المستأنسة.
وائل عادل
5/12/2007