قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 21 يناير 2015
قل لي من ستكلم، أقل لك كم ستدفع
- ما رأيك أن نذهب إلى زيارة الأيتام في جمعية…؟
- متى نلتقي؟؟
كانت هذه هي آخر جملة قلتها لزميلي وأنا أكلمه على الهاتف “الجوال”… لقد نفد رصيدي..
بدأت أنظر إلى الهاتف الأنيق، أرجوه أن يمنحني فرصة أخيرة، ويأذن لي بالمكالمة، انتظرت مبادرة من صديقي ليكلمِني هو، لكن خاب ظني.
سألت والدي أن يحول بعضاً من رصيده إليّ، لكنه أبى، متعللاً بأن رصيده أوشك على النفاد!!
تساءلت في نفسي.. نحن لم نقل إلا خيراً… وكنا نرتب للقيام بعمل خير، لماذا يا ربي ينقطع الخط الآن؟؟!! ولماذا تعبث شركة الاتصالات هكذ؟؟!!
لا… لم تظلمني الشركة، فقد نبهتني قبل نفاد الرصيد بفترة كي أعيد تعبئته، ولديها نظام محكم بدرجة كبيرة، فلن أنتظر معجزة لأجري اتصالاً هاتفياً رغماً عنها. وقوانين الفعل الاجتماعي لا تنحاز إلى أحد، حتى ولو كان يجري مكالمة مشبعة بالخير، لأنها قوانين لا تعطي تصريح المرور عبر بوابة الواقع إلا بعد أن تتأكد من امتلاكك إجابة على السؤال التالي: “هل لديك رصيد؟؟”
تعجبت من أولئك الذين يريدون التفاف الجماهير حولهم والتواصل معهم، لكنهم لا يملكون رصيداً من “رنَّات” الخبرة أو “رسائل نصية” تحمل الخطاب الجذاب، أو يجيدون استخدام “البلوتوث” كأحد أدوات الفعل التي تمكنهم من التواصل، وتعجبت أيضاً من أولئك الذين يستخدمون البطاقة المدفوعة مسبقاً بمبلغ 30، ويريدون أن تستمر المكالمة بتكلفة ال50 رغماً عن الجميع، وحجتهم في ذلك أنهم لا يقولون إلا خيراً؟؟ فلماذا توصد الأبواب في وجوههم؟؟!! ولماذا يمسك الأشرار بمقاليد اتصالات العالم، رغم أن ألسنتهم لا تنطق إلا دماراً؟؟!!
إن من يملك الرصيد الكافي سيتكلم كيفما شاء، حتى ولو كان يتحدث فيما يضر مجتمعه، ومن لا يمتلك الرصيد الكافي ستٌقطع مكالمته ولو كان أكثر البارين بمجتمعاتهم.
من يملك الرصيد الكافي سيتكلم بأريحية ولن يتكبد عناء النظر في ساعته، أما من لا يملك رصيداً كافياً فسينشغل بوهم إمكانية عرقلة عَدْو عقارب الساعة بأية طريقة، فضلاً عن إرباك حليفه على الجهة الأخرى، قائلاً له بصوت مرتعش: “تكلم بسرعة… المكالمة ستنتهي”!!
لن تجني المجتمعات حصاداً خيالياً يفوق رصيدها لمجرد امتلاكها أهدافاً نبيلة وسامية، ولن تتمكن من إجراء مكالمة طويلة يصغي لها العالم إلا لو امتلكت رصيداً يمكنها من ذلك. وكلما كبر الحلم، وبعدت مسافة الاتصالات، كلما عظمت التكلفة. فتكلفة الاتصال المحلي، ستختلف عن الإقليمي، وكلاهما يختلف عن العالمي. فإن حدد المجتمع مع من سيتواصل… يمكن أن يحدد التكلفة… وإن لم يكن مستعداً لدفع التكلفة، فسيظل حلمه أسير عقله…
أحذر من يصوغ حلمه على اعتبار أن حلفاءه سيتصلون به إن انقطع الاتصال من جهته، وأدعوهم ألا يعتمدوا إلا على أرصدتهم… فحتى الآن لست أدري.. لماذا لم يكلمني صديقي بعد انقطاع الاتصال؟؟!!
ما أروع أن تحلم بالتواصل مع أبعد قارات العالم، لكن الأروع أن تسعى بجدية لشحن رصيدك لتحول الحلم إلى واقع، وأن تكون قادراً على دفع التكلفة، وإتمام المكالمة. وقد تبدأ محاولتك لاختراق الواقع بالتدريج، فتكتفي في مرحلة ب “الرنات” تاركاً خيار الاتصال للطرف الآخر، وفي مرحلة لاحقة يتكون لديك رصيد معقول لإرسال “رسالة نصية”، فتتحرك في ضوء الممكن، ساعياً إلى ضم المكالمة الصوتية الدولية – مع زيادة الرصيد- إلى نادي الممكنات الذي أسسته، والذي تملك تكلفة إدارته.
هناك صنف غير مستعد لدفع التكلفة ابتداء، ويرى أن على شركة الاتصالات أن تغير قواعدها طوعاً أو كرهاً، وهذا الصنف – إن لم يَعِ قواعد اللعبة ويشحن رصيده، أو يقرر تغيير القواعد باختراق نظام الاتصالات بشكل ما ليمنحه حق التواصل المفتوح – سيطول به الأمد، ويمر عليه الزمن، وإن التَقَطْتَ هاتفك، وحاولت الاتصال به، فلا تتعجب حين ترد عليك صاحبة الصوت الرقيق… تعلن لك الخبر التالي بكل أسف: “هذا الرقم غير موجود بالخدمة“.
وائل عادل
23/11/2007