قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 21 يناير 2015
إنحناء أم مواجهة؟؟!!
“انبطحوا أرضاً“… انطلقت بقوة من فم القائد في أرض المعركة… امتلأت الساحة بأصوات القنابل… صرخ القائد: “هجوووم“… انتفض الجنود بعد انبطاح ليكملوا عملية الاقتحام… توقفت عن المشاهدة عبر شاشات التلفزة في المركز التجاري مستكملاً التسوق…صعدت إلى الطابق الثامن… أطللت من النوافذ… فإذا بأعمدة النور قد استجابت لنداء القائد.!!
إننا نرى الإنحناء كثيراً- بل ونمارسه- في حياتنا، نراه في انحناء عمود النور لإنارة الطريق مُرَحِّباً بنا، وفي انحناء العامل بمعوله في بطولة نشهد بها كخطوة مرحلية يليها إعلان المواجهة والانتصاب رافعاً يده، ثم الإنحناء مرة أخرى هاوياً على الصخر. لقد اختار مواجهة الصخور بإستراتيجية تزواج بين الإنحناء والانتصاب.
نلحظ نفس الأمر في أبطال العناد في رياضة الملاكمة، الذين ينحنون بأجسادهم في رشاقة لتلافي الضربات، لكن الصورة لا تتوقف عند مشهد الإنحناء؛ بل يعلو الرأس مرة أخرى في عزة مسدداً ضربته، هاتفاً بأن الإنحناء أداة لمواجهة التحدي.
والمجتمعات التي تتهيب التحدي لن يكتب لها تطور ولن يُخَلَّد لها ذكر، والسؤال هو كيف تتحدى في ظل ظروف ضاغطة؟؟ وكيف تعلن المواجهة حيث لا يُراد لها ذلك من خصومها؟؟!!
إن المواجهة تعني التصدي للواقع بالحفاظ على الأهداف ووضعها على منصة التطبيق، وفق إستراتيجية فعالة، سواءً اعتمدت المواجهة المباشرة للواقع أم الاختراق الناعم له.
فللمواجهة أدوات كثيرة، وقد يكون الإنحناء أحياناً من أدواتها المرحلية. فهو أداة فعالة إن استخدمت وفق استراتيجية محددة، تجيب على سؤال: كيف سيؤدي الإنحناء إلى تحسين الأحوال؟ وكيف سيحسن به الانتقال من مرحلة إلى أخرى؟
إن الإنحناء أو المواجهة المباشرة أو الحلول الوسط بينهما ليست في ذاتها حلولاً سحرية كفيلة بتحقيق الأحلام، فالحل يكمن في وضع إستراتيجية قادرة على التعامل مع الواقع، واختراقه مرحلة تلو مرحلة، حينها فقط يمكن اختيار الإنحناء كأداة، أو المواجهة المباشرة كأداة، أو الدمج بينهما بدرجة من الدرجات، أو اختيار التعاقب بينهما بشكل أو بآخر.
ليست القضية هل ستواجه مباشرة أم ستنحني؟؟!! السؤال الأساس هو ماذا بعد المواجهة المباشرة؟ وماذا بعد الإنحناء؟؟ ما هي الخطوة اللاحقة التي ستحقق من خلالها أهدافك؟؟
يندد البعض بأولئك الذين يعلنون المواجهة المباشرة، وينعتونهم بالعبثية، ثم يطرحون الحل العبقري داعين إلى الإنحناء أمام الواقع كحل وحيد، وقد اختاروا إجابة تريح عقولهم من عناء التفكير في إبداع حل جاد.
وقل ذلك عن آخرين يدعون إلى الانتصاب في كل الأحوال، وما دروا أن العاقبة قد تكون كارثية، وانظر إن شئت إلى الملاكم تعيس الحظ مفتول العضلات، وهو يتلقى الضربة القاضية وقد أعلن الصعود واضعاً رأسه في المكان الخطأ.. في قفاز خصمه!!. إن الإنحناء أمام الواقع أحياناً لا يقل عبثية عن تحديه بشكل مباشر، فكلاهما حل عدمي إن لم يتم في ضوء استراتيجية واضحة.
وتتجلى العبقرية القيادية في عشق مواجهة التحدي، ثم إيجاد التصور الناضج للعلاقة بين الانحناء والانتصاب، واختيار التوقيت الذي يهيمن فيه أحدهما على ساحة الفعل.
بعض القادة لا يجيدون إدارة الهجوم والانبطاح، فلا يروقهم أمر “هجوووم”.. إنهم يهتفون “انبطحوا أرضاً”… فينبطح الجنود طائعين، ثم ينقلبون نائمين، بعد أن أمدتهم القيادة بالوسائد الناعمة والمشروبات الباردة..
ونرى قادة آخرين بارعين في خلق التناغم بين إصدار أمر “هجووم” وأمر “انبطحوا“…فعيونهم مركزة على الهدف، تبصر الطريق وعقباته، ولا يوقفهم حاجز عن مهمتهم، فتارة يقفزون الحواجز، وتارة ينحنون ليعبروا من تحتها، هوايتهم هي المواجهة، بالانحناء أحياناً والانتصاب أحياناً أخرى في ظل رؤية واضحة، إنها قيادة تستلهم خطة أحمد مطر… فهي تبالغ في الانحناء… ولكن لكي تزرع القنبلة.[1]
وائل عادل
18/11/2007
——————————————————————————
[1] يقول الشاعر أحمد مطر:
أجل إنني أنحني تحت سيف العناء،
و لكن صمتي هو الجلجلة،
و ذل انحنائي هو الكبرياء،
لأني ابالغ في الإنحناء،
لكي أزرع القنبلة!