الأربعاء, 21 يناير 2015
زلزال العقول

ما البديل

قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 21 يناير 2015

أوقف العبث أولاًثم ابحث عن البديل

اشتعل المنزل بالنيران… أتت قوات الدفاع المدني لتنقذ الأهالي المحاطين بحمم الجحيم… صعد البواسل على السلالم لإنقاذ من في الطابق العاشر، أحاطت ذراع العجوز برقبة أحد رجال الإنقاذ الذي حمله برفق كما يحمل الوالد طفله… وفي منتصف المسافة وعند الطابق الخامس سأله العجوز: “أين ستذهب بي؟؟ ليس لدي غير هذا المسكن”، سأله رجل الإنقاذ أن يصبر ويحمد الله على نجاته، لكن العجوز رفع صوته، “أين ستذهبون بي… ما البديل؟؟”.. بعد أن وصلا إلى الأرض أنزله رجل الإنقاذ بضيق قائلاًَ له: “أتيت لأنقذك قبل أن تلتهمك النار.. لست أنا من أَشعلها!!”..

عندما تُحَذِّر أحداً من احتمال فشل مشروعه، أو أنك ترى أنه لا يسير في الطريق السليم لتحقيق أهدافه، يفاجئك أحياناً منتفضاً في وجهك قائلاً: “ما البديل؟” ويصب عليك صواعق غضبه كأنك أنت السبب في تدهور مشروعه، أو كأنك مطالب حتماً إن سجلت ملاحظاتك أن ترفق معها الحل.

إن رجل الإنقاذ لم يأت إلا بعد عدة أعمال، بداية من طفل العمارة المقابلة الذي لمح دخاناً فلم يتمكن إلا من لفت انتباه أبويه- وليس في وسعه أكثر من ذلك، ثم قام الأب بدوره متصلاً بقوات الإطفاء، لكن رجل الإنقاذ هو الذي قام بالإطفاء، ولم يكن ليأتي في الموعد لولا انتباهة طفل لم يسجل إلا ملاحظته على مشهد عمارة أمامه ظنها أدمنت الدخان. فأهل العمارة يدينون بنجاتهم لهذا الطفل الصغير قليل الحيلة، ثم لكل من تقدم بخطوة على طريق الإنقاذ.

وعندما نتحدث عن إيجاد بديل فيجب أولاً إدارك أن تسجيل الملاحظات هو جزء من الحل، وأن السعي العملي لدراسة الملاحظة وإبداع الحل هو جزء من الحل، وأن تنفيذ الحل هو جزء من الحل، والناس تتفاوت في مهاراتها وقدرات عقولها، وليس بالضرورة أن من سيسجل ملاحظته هو من سيفكر في وجود الحل لدى قوات المطافيء، ولا يمكن عتاب الطفل لكونه اكتفى بتسجيل ملاحظة، فمن الضروري أن يقوم كل فرد بدوره بحسب مهاراته وملكاته وخبراته.

كذلك ليس معقولاً أن يُلام أي شخص ويدان لأنه أشار لموطن الداء ولم يشر إلى الدواء، ترى هل تُخرِج أدوات الجراحة من مطبخك عندما تكتشف في ابنك علامات مرض خطير، أم تذهب به إلى الطبيب المتخصص؟! وهل تشكر الممرضة عندما تخبرك بضرورة عرض ابنك على طبيب لاستفحال الحالة أم تسألها أن تقوم هي بالمهمة وتوفر البديل طالما ارتدت المعطف الأبيض؟؟!! بل هل تتبرم ربة المنزل منك إن أخبرتها أنك تشم رائحة طعام محروق؟! وهل من المنطق أن تهب في وجهك كأنك المسئول عن خطئها صارخة “ما البديل؟”.

إن توفير البديل ليس بالضرورة عملية صعبة، فهو يعتمد بالأساس على جدية السائل في البحث عن بديل، متوجهاً بالشكر إلى كل من نبهه، وكيف يعاتب من أراد إنقاذه لأنه لم يطرح بديلاً، في الوقت الذي لم ينتبه فيه عقله هو للخطر ابتداءً؟؟! فإيجاد البديل مسئوليته هو وليست واجباً على الناصح.
          وتوفير البديل يتطلب أولاً إيقاف العبث، فعندما تسير مؤسسة في طريق يستنزف طاقاتها فأول خطوة لإيجاد البديل هي تنبيهها لذلك، حتى ولو لم يمتلك الناصح رؤية كاملة لمستقبل المؤسسة، إن أول خطوة هي إطفاء النار قبل التفكير في المأوى الجديد، وكبح جنون القطار المسرع قبل وصوله إلى الهاوية، ليس السؤال في هذه المرحلة أين سنذهب بالركاب، ولا يمكن أن نلوم ذلك الرجل البسيط الذي يصرخ بهستيرية: “أوقفوا القطار …أنزلوا الركاب … القطار ذاهب إلى الهاوية”… لنسأله سؤلاً سخيفاً عن الجهة التي سيذهبون إليها بعد النزول… فالسؤال هو كيف نمنع سقوطهم في الهاوية.

وإن كانت أولى خطوات البحث عن البديل هي إيقاف العبث؛ فإن الخطوة الثانية هي التفكير الجاد في التحول لبديل جديد فعال، وهذا التفكير لن يتم عادة إلا إذا فكر العقل في مناخ صحي بعيداً عن أسر مشروعه الأول الذي سبب له المتاعب، وعبر جهات استشارية محايدة ليست متعصبة للمشروع، جهة لن تعتقل الطفل الصغير في غرفة تتوعده بنظرات الريبة قائلة له: “لقد رأيت الدخان…واكتفيت بالصراخ…  إذن قدم البديل … ما الحل؟”، فهي مؤسسات منحازة إلى مستقبل المجتمع وعنصر الإنسان، واستثمار جهده في أعمال نافعة ومسارات واضحة، وحينها لن يعدم الصادقون في البحث بديلاً.

بعض المتعصبين لأفكارهم يسألك “ما البديل؟”، ليس بحثاً عن بديل، ولكن ليؤكد بعناده غياب البديل، ثم يستمر في عمله الروتيني متوهماً أنه بذلك يعاقب من أسدى نصيحة غير مكتملة. أو يوبخه قائلاً: “لا تتحدث إلا إن وجدت البديل”، ثم يفرك يديه مستمتعاً بدفء منزله في الشتاء، وما درى أن سخونة المنزل المنعشة ليست من المدفأة، ولكنها من تسلل ألسنة النيران إلى الحائط عبر نوافذ الغرفة.


وائل عادل

 14/8/2007


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.