قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 21 يناير 2015
التخصص لغة العصر
“من الإبرة للصاروخ“… عنوان لأحد المحلات لفت انتباهي… دخلته فوجدته مليئاً بمنتجات متنوعة… أخذت أبحث عنه … ابحث عنه… تعجب صاحب المحل!!… سألني إن كنت بحاجة إلى مساعدة للعثور على طلبي… قلت له: نعم… أين هو؟ أجاب متعجباً: وما هو؟… أجبته مازحاً: “الصاروخ”!!
ربما يُعقل أن تجد محلاً متواضعاً يجذب الجمهور بهذه الطريقة، خاصة وأن الجمهور لا يعتقد ابتداء بوجود صاروخ عملاق داخل المحل، لكن كيف بالمؤسسات والمشاريع التي ترفع لافتات كبيرة، وتضع أهدافاً خيالية لجذب الجمهور، لكنها في النهاية لا تسعى إلا لتحقيق الحد الأدنى من أهدافها؟! فقد تعلن مؤسسة خيرية أنها تدعم قضايا اللاجئين بينما لا يتعدى عملها كفالة الأيتام، أو يروج حزب سياسي إلى أن أهم أهدافه إحداث التغيير السياسي عبر العمال، لكن نشاطه مركز على حقوق المرأة، أو تعلن شركة أنها عابرة للقارات بينما هي عاجزة عن التحرك في محيطها المحلي.
قد يجذب رفع سلم الأهداف الكثير من الجماهير لفترة، فينشغل بعضهم بالحدود الدنيا من الأهداف باحثاً عن الإبرة، ويسعد أنه وجدها واقتناها بعد عناء، لكن هناك قطاعاً كبيراً سيزاحم الناس، ويقف فوق أطراف أصابع قدميه متطلعاً لأعلى، لعله يجد الصاروخ.
وإذا حاول صاحب المحل إقناع هؤلاء الطامحين باقتناء الإبرة إلى أن يأتي الصاروخ، فهو بالتأكيد يزدري عقولهم. لأنه بعد أن يشرح مزايا إبره سيسألونه… “أين الصاروخ؟؟“
بعض المؤسسات تضع لها مجموعة من الأهداف العظيمة تجذب أشواق الجماهير، ولا بأس في ذلك إن تخيلنا أن المؤسسة تمتلك الموارد العملاقة والعقول الجبارة القادرة على بيع كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، لكن التحدي يظهر عندما لا تمتلك عملياً آلية لتحقيق هذه الأهداف، فتنغمس في الحدود الدنيا منها مكتفية ببيع الإبر، وتتحول فكرة بيع الصاروخ بمرور الزمن وتتابع الأجيال إلى شعار أو فكرة تاريخية رمزية أكثر منها فكرة حقيقية يُسعى للوصول إليها.
إن التأكيد المستمر على الأهداف وأصالتها ونبلها لا يعني أنها ستتحقق إن لم توضع لها نظرية عمل تطبقها، وخطة تنتقل بها من الحلم إلى الواقع، وآلية تنفيذ واضحة تؤكد إمكانية بلوغها.
وإن كان يسوغ في عالم الدعاية التجارية استعمال عبارات التشويق المبالغ فيها – على اعتبار وعي الجمهور بأنها مبالغة، إلا أن الأمر يختلف في عالم الفعل الاجتماعي الذي يسعى إلى تطور المجتمع، خاصة أن أحداً لا يجبر أي مؤسسة أن تضع أهدافاً غير واقعية، بل هي خياراتها المحضة، وعلى مثل هذا النوع من المؤسسات أن ينتبه إلى أن هناك قطاعاً شده عنوان الصاروخ وليس الإبرة.
وهؤلاء بعد اكتشاف المكان وبساطته سيعجزهم فهم إمكانية الجمع بين صناعة الإبر التي تخترق أقمشة الملابس، وصناع الصاروخ الذي يخترق فضاء الكون… وشتان بين الأمرين!!
فلم لا تتخصص كل مؤسسة في عمل تتقنه واضعة أهدافاً يمكنها تحقيقها؟؟!! حتى لا يتبرم جمهورها بعد أن يمل طول انتظار مرحلة بيع الصاروخ.
إن التخصص لغة العصر، فاحتياجات مؤسسة تبيع كل شيء تختلف عنها في مؤسسة متخصصة في تصنيع الصواريخ، بداية من عقلية القيادة وثقافتها، إلى طبيعة الطاقم العامل فيها ومهاراته وثقافته، إلى نوعية الجمهور المستهدف، إلى شبكة العلاقات المطلوبة.
والمستقبل تصوغه مفردات التخصص البليغة… وترسمه حزمة الألوان النقية الصافية… وعلى عشاق الأحلام أن يحددوا بدرجة عالية مواصفات حلمهم، وأن يتخصصوا في عمل يجيدونه، ويطوروا هذا العمل، حتى يصبحوا أحد أعلامه.
وبانتشار المشاريع المتخصصة (السياسية و الاجتماعية والتعليمية والفنية … الخ) تتشكل في المجتمعات أحد أهم مقومات التحول الحضاري، وتتوفر المرجعيات المتخصصة في كل مجال، فتصبح قبلة لاستلهام الخبرات، وحينها يمكننا أن نمسك فرشاة ألواننا، ونكتب على بوابة مجتمعنا بخط براق… من الإبرة للصاروخ… .فالمجتمع ..كل المجتمع.. ستجد فيه كل ما تحب… “من الإبرة للصاروخ“.
وائل عادل
20/6/2007