الثلاثاء, 20 يناير 2015
زلزال العقول

تحدي الجاذبية

قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015

انتبه… حتى لا يُسقطك الصعود

أنا أعلى … لا… بل أنا … بل أنا… جذبني صوت الأطفال وهم يتنافسون في قذف حجر صغير لأعلى، بدأت أرقبهم، كل ينتظر إشارة البدء، ويستجمع أنفاسه ليقذف الحجر إلى أعلى بأقصى قوة، فتتسابق الأحجار صعوداً، كان التتنافس يدور حول أيهم أقدر على تحدي قانون الجاذبية لفترة أطول… لكن ليس هذا هو ما أدهشني!!..

فبينما أنا أنظر عالياً متتبعاً أكثر الأحجار تحدياًَ؛ إذا بي ألمح في السماء طائرة ورقية خلابة الألوان، تتبعت خيطها متجهاً بنظري نحو الأرض لأبصر طفلاً صغيراً يسخر من الجاذبية في وقفة الواثق، واضعاً يداً في جيبه، واليد الأخرى تمسك حبل الطائرة.لقد صمم طائرته لتعين الهواء على حملها، وأعد حبالها لتسهل قيادتها وتحديد ارتفاعها، واختار منطقة الطيران بعيداً عن الأسلاك وأعمدة الكهرباء..

وترتفع المشاريع الناجحة بدورها إذا توفرت لها ركائز قوية، فامتلكت مقومات الصعود، والحفاظ عليه، فتحدد موعد الإطلاق حين يكون المناخ مناسباً للتحليق، ويبذل أصحابها الجهد المستمر في تقوية عوامل استمرارها ونموها. بداية من تطوير الفكرة النظرية، إلى تطوير الأهداف، ثم استراتيجيات وآليات وأفضل الأشكال التي يمكن أن تحقق هذه الأهداف.

بعض المشاريع تبدأ مندفعة وترتفع بقوة إلى أعلى، لكنها لا تملك مقومات التحليق عالياً لفترة طويلة، فلا تلبث أن تهوي ويتراجع سهمها، وبعضها لا يحسن اختيار الموقع، فيحلق وسط أعمدة وأسلاك الكهرباء.

على الشباب الطموح أن ينتبه قبل أن يتنافس هاتفاً “أنا أعلى … أنا أعلى”، هل هو أعلى من حجر في طريقه للسقوط، أم أعلى من طائرة مستقرة في السماء؟؟!! عليه ألا ينافس المشاريع الحجرية الثقيلة التي ستسقط سريعاً، أو يغتر بصعود سريع خداع، فمن السهل أن تحلق بمشروعك وفكرتك لأعلى، وأن ترمي الحجر ثم تفقد السيطرة عليه، فليس من الحكمة بعد أن تقذف الحجر أن تبدأ في التفكير في كيفية استبقائه عالياً، فقانون الجاذبية لن يمهلك، وكل ثانية تصعد فيها تعني أنك تقترب من السقوط.

إن المهارة الحقيقية تكون في إدارة التحليق، وتحدي الجاذبية، والتمرد على السقوط، وهي أمور لا تتم بعد الإنطلاق، بل هي الجهد الجبار الذي يتم التجهيز له عادة قبل إطلاق المشاريع للهواء، وهي المرحلة التي لا تظهر للجمهور، لكنها من أهم المراحل، وتتطلب الصبر… الصبر على انتظار الفرصة المناسبة لإطلاق المشروع، بعد أن تتوفر الخيوط التي ستمسكه بها أينما حل.

قد يظن البعض أن بداية مشروع تعني بداية ظهوره، فيتساءلون متى نبدأ المشروع؟؟ ولو تأملوا لوجدوا أن مشروعهم بدأ منذ مرحلة بلورة الأفكار، ثم مرحلة توفير الروافع اللازمة لانطلاقه، لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الإطلاق للجمهور. فمشروع إطلاق صاروخ فضاء تسبقه سنوات من الإعداد قبل أن نرى عزمه على تحدي الجاذبية وهو يلفظ نيران وقوده. وكل هذه السنوات المخبأة عن أعين الجمهور لا تطعن في أن المشروع قد بدأ. لكن لحظة الصعود لم تحن.. وكلما كان الطموح في الصعود أعلى كلما تطلب تحضيراً أعلى…[1]

ليس كل صعود يُحمد، وليس كل تقدم سريع علامة نبوغ، يمكنك أن ترمي حجراً بقوة إلى أعلى، لتتباهى مبتسماً بقوة عضلاتك، وتسعد بسرعة الارتفاع، لكن انتبه.. فسرعان ما تتلاشى ابتسامتك، وتتبدل سعادتك، حين ترى الحجر يهوي مسرعاً ليرتطم برأسك.

وائل عادل

 28/5/2007

———————————–

[1] يجب أن لا يوقع هذا الجهد التحضيري أصحابه في فخ الانشغال بالإعدادات التي قد تأكل الزمن وتحرم المشروع من لحظة الانطلاق، فالمقصود بالحديث هنا التحضير المتوازن الجيد للصعود، وعدم الاغترار بصعود أجوف.

 


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.