قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015
تطور الوظائف يتطلب تطور الأشكال
كثيراً ما أحن إليه… أستعيد معه الذكريات… ففيه تُختصر سنوات العمر، وتُستجمع أحداث مضت، ألقيت نظرة على ألبوم صوري، رأيت صور الأهل والأحبة، غير أن شيئاً ما جذب انتباهي، إنها صوري في مراحل عمري المختلفة.
عجبت من التغيرات الكبيرة التي طرأت على شكلي، فصورتي وأنا طفل رضيع لا أكاد أتبين ملامحها، أو أميزها عن باقي الأطفال، أو أجزم أنها تعبر عني، ومع كل مرحلة جديدة من العمر كان الشكل يتغير بشكل كبير. ترى.. لماذا تتغير أشكالنا؟؟ ولم لا يثبت الإنسان بعد أن يولد – أو بعد مولده بخمس سنوات مثلاً- على شكل واحد؟!
لقد جُبل الإنسان على التغير، وهو يتغير بالفعل كل فترة تغيراً جوهرياً لا إرادياً، والتطور سمة ملازمة له، تشمل المفاصل والشعر وملامح الوجه وحجم الجسم، ونبرة الصوت، وطريقة التفكير، والرغبات. إنه تغير في كل شيء يلازم الإنسان طيلة حياته. ولو رأيت صورة شخص ما وهو صغير لوجدت أنه من المستحيل أن تتعرف على صورته عندما كبر إن وُضعت وسط عشرات الصور.
إن فلسفة التغيير ملازمة لحياة الإنسان، ولو تأمل أي فرد في حجم التغييرات التي تطرأ في بنيته وشكله وعقله لدُهش من حجم التحولات الضخمة، وكثير من هذه التغييرات مرتبط بتطور الوظائف البيولوجية للجسم، فتطور الوظائف يلازمه تطور في الشكل، فهل هذه الفلسفة التغييرية تنعكس على ممارسة الإنسان العملية أو نمط تفكيره وسيره في الحياة؟؟
إن الإنسان السوي لا يؤسس مشاريع أو مؤسسات تجمد لمدة عقود، أو يقبل بأطروحات فكرية متكلسة تعيش طور الطفولة وتأبى الفطام رغم مرور عقود عليها، فهو يؤمن أن التغيير الصارخ في شكل الإنسان لابد أن يواكبه تغيير عملاق في ما ينتجه!!
إن التغيير فلسفة حياة، واستيعاب هذه الفلسفة كفيل بإحداث تحولات كبرى في حياة البشرية، والإيمان بأن لكل مرحلة أشكالها المناسبة للفعل وأدواتها الفعالة كفيل باستنفار العقول لإبداع هذه الأدوات، ألسنا نجد الرجل يعيش طفولته بصوت ناعم يستجلب به محبة ورفق الكبار، ثم تتحول هذه النعومة إلى نبرة خشنة تجسد أحد أدوات الفعل المناسبة لمرحلة الرجولة؟؟!! فعندما نرى طفلاً يستخدم أداة البكاء ويصيح ويضرب برجليه الأرض للحصول على مطالبه ربما نستجيب لطلبه، ونعطف عليه ونعطيه ما يريد، لكننا إذا وجدنا شاباً جاوز الثلاثين يستخدم نفس الأداة للحصول على مطالبه فأعتقد أنه لن ينال إلا السخط والازدراء.
إن المجتمعات التي تعيش المستقبل هي التي تصل إلى مرحلة النضج الإنساني، فتتطور أفكارها ومشاريعها بشكل مذهل يتلاءم مع التطورات الكبيرة التي تطرأ على الإنسان. وأقترح على أصحاب الأفكار والمشاريع أن يخصصوا ألبوماً لصور مشاريعهم وأفكارهم، ويوثقوا أعمالهم ويسجلوا الحوارات التي تدور بينهم، ثم يقارنوا بين تطور أشكالهم في ألبوم صورهم الشخصية، وبين تطور مشاريعهم من خلال صور ألبوم المشاريع وما دون عنها ومستوى تطور الحوارات وما يُطرح فيها. فإن كانت الصور تتطور في ألبوم المشاريع ويتجدد مستوى التفكير ويرقى جدول الأعمال الذي يُناقش فهذا دليل صحة ووعي، أما إذا ظلت الصورة ثابتة في ألبوم المشاريع، وشاب الشعر وتقوس الظهر في ألبوم الصور الشخصية، فهذا يعني اغتيال الزمن.
وائل عادل
30/3/2007