قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015
المستقبل هو حصاد فعل اليوم
كانوا يتحلقون حول لوحة الأسماء، تتسابق عيونهم في رصد النتائج، كنت هادئاً… مبتسماً… أمازح الزملاء، سألني أحد الواقفين متعجباً!! ألست قلقاً على النتيجة؟؟!! أجبته بالنفي… إنها نتيجة صديقي.. أتمنى له التوفيق، لكنني لن أستطيع مساعدته في هذه اللحظة كي ينجح. أرجو له الحصول على أعلى الدرجات، لكنه رهين دراسته وجهده الذي بذل.
إن نتيجة اليوم ليست إلا حصاد نمط تفكير وجهد الأمس، والواقع الذي تحياه المجتمعات هو حصاد عمل السابقين في العقود الماضية، ونتيجة امتحان مذاكرتهم، إنه حصاد أطروحاتهم ومشاريعهم ومعاركهم وانتصاراتهم وإخفاقاتهم، ما نراه اليوم هو محصلة ما قام به جيل سابق من ثلاثين عاماً أو يزيد، ونمط تفكيره هو الذي خلق واقع اليوم بحلوه ومره.
وقوانين الفعل الاجتماعي لا تحابي أحداً، فأحداث اليوم هي حصاد تفاعل الأجداد مع احتياجات مرحلتهم، وهي أجوبتهم على أسئلة الامتحانات التي خاضوها، وهي مستقبلهم الذي شكلوه طوعاً أو كرهاً ليصبح واقعنا، ومحاولة الشباب للتدخل بشكل سطحي في أحداث هذا الواقع -طمعاً في الحصول على نتائج سريعة- تبدو فكرة عبثية، فالشباب لم يزرع بعد كي يحصد، واليوم هو يوم حصاد الأجداد.
لا أرى أية فائدة من أن يبكي الجيل الحالي وضعاً لم يصنعه هو، متخيلاً أنه رسب في الامتحان، إنها نتيجة امتحان آبائه، وليست نتيجته هو، فمدى صمود البناء أمام زلازل الواقع معتمد على طبيعة الأساسات التي أنشأها الأجداد، أما الأبناء فقد يعيدون النظر في مدى فاعلية الأساسات، مدركين أن هذا البناء ليس بناءهم، فهم بالكاد يُسَطِّرون أول فصول ملحمتهم الحضارية، وعليهم أن ينظروا للأمام، وألا ينشغلوا بالدخول في بقايا معارك الماضي التي تشكل نهاية حقبة من تاريخ المجتمعات، خاضها أطراف مختلفون، ولم يكن الجيل الحالي يوماً ما واحداً من هذه الأطراف، ولا أراهم مضطرين أبداً لتضييع جهدهم وعمرهم في خوض معركة خاسرة.
وإذا أراد الشباب صناعة مستقبل مشرق فليعلم أن هذا المستقبل مرهون بفعل اليوم والأفكار التي ستُطرح فيه، ومرتبط بإبداع الأدوات التي ستجعل من هذه الأفكار واقعاً في المستقبل، ومعتمد على المشاريع النوعية والبنى التحتية القوية التي ستخلق الغد المرتقب، والشباب الفطن يوقن أن مستقبله رهين فعله هو وليس الآباء، وأن الإجابة على الإمتحان بنفس طريقة الآباء ستكرس النتيجة ذاتها، لذلك عليه أن يُعد أجوبة جديدة، وينتج عالمه الجديد، ببذل الجهد في طرح الرؤى والأفكار وإطلاق المشاريع المستقبلية. إن احتضان المستقبل أولى من التشبث بالماضي، وصناعة النجاح أولى من محاولة ترميم حالة من الماضي عجز صانعوها عن تغييرها بعد أن أُعلنت نتيجة امتحانهم..!!
وبعد أن يستوفي الجيل الحالي جهده، ويعمل عقله، ويخرج بأشكال الفعل التي أَمِل أن تصل به إلى المستقبل، ويلمح ولادة جيل جديد؛ سيأتي حتماً يوم إعلان النتيجة، فإما أن يكون حقق مستقبله الذي تمنى، أو يكتب وصيته للجيل الذي يليه: “أبدعوا أشكالاً جديدة، وغيروا نمط تفكيركم حتى تصلوا إلى معادلة الفعل الصحيحة في ساحة التحول الحضاري، ولا تشتركوا في بقايا معاركنا، فإننا في الرمق الأخير“.
وائل عادل
25/3/2007