الثلاثاء, 20 يناير 2015
زلزال العقول

انتبه.. إنه فوق عينيك

قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015

تعرف على أدواتك

أجهدني البحث… وأعياني التفكير… ما الذي أسكُبه في شلال ثورة الأفكار؟!.. أحضرت كوباً من الشاي لعله يلهمني الفكرة، قررت ألا أكتب، وضعت أصابع كفي على شعر رأسي، ثم انداحت معي على جبهتي في طريقها إلى أن تغطي فمي… شيء ما جعلها تتسمر فجأة في مكانها، وأشعل نور الفكرة في عقلي، إنه حاجبي، ذلك الخط الحدودي من الشعر، الذي رُسم في صحراء وجهي من جبهتي وحتى فمي، ليفصل بين عقلي وعيني.

نظرتُ في المرآة… تساءلتُ… ما قيمته؟!! ولماذا يتربع فوق عرش العين؟؟!! تملكني الفضول، لم أعتد أن أجهل نفسي إلى هذا الحد، إنه يلازمني منذ مولدي، لكنني لم أفهم وظيفته، أو حتى أحاول البحث عنها. أخذتُ أبحث عني في الموسوعات الطبية، محاولاً إدراك ذاتي واكتشاف أدواتي.

علمتُ أن الحاجب وضع فوق العين ليمنع اضطراب الرؤية، إن وظيفته هي تغيير مسار المواد السائلة من العرق أو مياه الأمطار بعيداً عن العين، فمن الممكن أن يغير الماء داخل العين الخواص الإنكسارية لها مما يجعل الرؤية مشوشة غير واضحة.

أطللت من النافذة لأتنفس الهواء الطلق… الأمطار متدفقة… السيارات تمر ذهاباً وإياباً… تسمرتُ مرة أخرى، فقد أخذَتْ مَسَّاحات السيارات نفس شكل الحاجب، واقتدت بلونه، واستعارت وظيفته لتطيح بمياه الأمطار المعيقة للرؤية، وتراقصت في نشوة يميناً ويساراً، ولِم لا وهي التي تحول دون حدوث الكوارث المرورية!!

وجدت الحاجب يسوس الحياة، أليس عجيباً أن يختط مايسترو الأوركسترا نفس النهج، فيستخدم حاجباً خشبياً يبين به للعازفين الطريق، ويعطي الإشارة للآلة الساحرة التي ستبدأ عزفها؟!

 إننا نحتاج في كل بيت ومؤسسة ومجتمع إلى حاجب، ليساعد على وضوح الرؤية، واكتشاف الطريق. قالوا قديماً: “العين ماتعلاش على الحاجب”، وهو مثل صحيح، سيثمر طاقات عظيمة يوم يطبق في أرض الواقع، لنرى الرؤى والمسارات تُقَوَّم، ونلمس رعاية لأهل الفكر والنظر الذين يمثلون حاجب المجتمع، وصمام الأمان الذي يضمن قوة الإبصار.

تستطيع أن ترى رجلاً لا يكسو الشعر رأسه، لكنك لا تطيق رؤية إنسان بدون حاجب، إنه تشويه فظيع للخلقة، كذلك يحدث تشوه الفعل في الواقع إذا غابت الرؤية أو تشوشت.

وجدتُّني أسير الإعجاب بحاجبي وملهمي، ورأيتُ للناس فيه مآرب أخرى، فبين مستخدم له في إظهار غضبه فيُميل حاجبيْه لأسفل ليتصافحا ببرود، إلى آخر يُعَلم حاجبيه الرقص ليغازل بهما صعوداً وهبوطاً، وثالث يرفع أحدهما ويبقي الآخر مستقراً معبراً عن الدهاء والحنكة والإصرار. إن الحاجب يعمل هنا ككشاف للانفعالات، وكوسيلة تفاهم صامتة، إنه أحد الأدوات اليومية التي لا يستغني أحد عنها.

والمجتمعات التي تحررت وقويت، لم يكن كل إبداعها في قدرتها على اختراع أدوات جديدة تمكنها من التحول، لكنها فهمت ذاتها جيداً، وأدركت أن أدواتها بين أيديها، إنها أفكار طموحة في العقل، وإرادة في القلب.

إن أدوات التحول في المجتمعات ليست بعيدة المنال، بل هي أقرب مما يتخيل الكثيرون، إنها قريبة منهم قرب الحاجب من العين، وقريباً سيشعرون بوجودها، ثم يتحسسونها بأيديهم، ثم يكتشفون كامن طاقاتها.

وائل عادل

13/3/2007


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.