الثلاثاء, 20 يناير 2015
زلزال العقول

إلى الواقفين في الطابور

قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015

ثمة خيارات أخرى

بينما أنا ذاهب لأشتري تذكرة ركوب مترو الأنفاق؛ إذ بي أُفاجأ بطابور طويل، وكلما أتى فرد لشراء التذاكر ينظر مندهشاً لطوله ثم يقف تلقائياً فيه، بالرغم من وجود شباكين آخرين لبيع التذاكر لا يقف أمامهما أحد، كأن الجميع يقول في نفسه: “بالتأكيد لا تُباع تذاكر من هناك… إذا كانت تُباع لمَا كان كل هؤلاء مُصطفِّين بهذه الطريقة في طابور واحد“.

ذهبتُ إلى أحد الشبابيك الخاوية من البشر، فوجدتُ الموظف يبيعني التذكرة، فإذا بالسيل المنهمر يخرج من الطابور الطويل – لما رأى التذكرة في يدي – ليأتي على الشباك الذي وقفتُ عنده. فقد أدركوا أن البيع متاح في الشبابيك الأخرى.

ولعل الناس تُفضل الأماكن التي اكتُشفت من قبل، وتحب أن تأنس بالكم البشري، على اعتبار استحالة أن تكون كل هذه الجموع على خطأ، وحتى إن كانوا مخطئين، فلا بأس من قبول وحدة المصير.

أما قادة التحولات فيتميزون بأنهم لا يقفون في ساحة مزدحمة، لأنهم لن يضيفوا عليها إلا أشخاصاً آخرين يأنسون بالزحام، لذلك نجدهم يبحثون عن الفرص الكامنة في الطرق غير المكتشفة، ويرون أن من سار خلف الناس لن يصل إلى أبعد مما وصل إليه الناس، فيأنسون بالوحدة بل ويتباهون بها، ويتصفون بالتفرد، وهم الذين يصنعون النقلات النوعية في التاريخ، خاصة عندما يحررون عقول الناس، ويقنعونهم أن هناك طرقاً أخرى يمكن السير فيها.

أيقنتُ أن الكثير من معطلات تقدمنا ليست إلا نتاج عقولنا، وأنماط تفكيرنا، ورغبتنا في الوقوف في الأماكن المزدحمة، والتهيب من اكتشاف السبل الجديدة.

إن المنطق يقول أنك إما أن تظل أسير تجارب الماضي، وتابعاً لمحاولة من سبقك، وتقف بدورك في طابور طويل، أو تجرب اكتشاف سبيل جديد ربما يقود إلى حلول، فإن أخفقت في اكتشاف السبيل، فالطابور الطويل موجود، وهو خيار قائم، وربما يصل الواقفون فيه إلى مبتغاهم ببطء، وإن نَجَحْتَ ساهمت في إيجاد مسار جديد يسهل الحركة ويختصر الزمن.

إن المجتمعات التي تسعى للنهوض تبذل جهدها في تَلَمُّس الطرق، ويبدع قادتها في إيجاد البدائل، وهم المعنيون بأن يحلوا أزمة الحركة البطيئة في عصر السرعة، فتتسارع وتتوالى المبادرات التي يؤمل أن تقود إلى حل، فنرى مجتمعات حية تأنف الاستسلام وتعشق المحاولة، أما ما يُثير الشفقة فعلاً في مجتمعات أخرى، مراقبة قادتها للطابور الطويل، بل وتنظيمه، ثم معاقبة من تسول له نفسه الخروج منه لاكتشاف المستقبل والبحث عن مخرج.


وائل عادل

8/12/2006


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.