قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015
طريق طويل… أم نفس قصير؟؟!!
عندما كنتُ أسبح في طفولتي؛ كان الإعياء يصيبني قبل أن أصل إلى نهاية حمام السباحة، وأشعر أن المسافة التي أقطعها طويــــــــلة، لكنني عندما كبرت صرتُ أقطع المسافة بسهولة ذهاباً وإياباً.
وعندما كنا نلعب في فناء المدرسة، لطالما أقمنا مسابقات العَدْو، وكم اختبأنا وراء الأشجار، ثم كبرتُ وزرتُ مدرستي، فتعجبتُ من صغر فنائها، وضآلة أشجارها، وخُيِّل إلي أنه من المستحيل أن نكون عَدَوْنا ولعبنا فيها واختبأنا وراء تلك الأشجار يوماً من الأيام.
وعندما نرى أمة تحاول أن تقطع أشواطاً على طريق تقدمها، ثم ينهكها التعب، ويتسلل إليها الإحباط متستراً بمقولة “الطريق طويــــــل.. وحسبنا أن نقطع فيه خطوة“؛ فإن هذه القضية تحتاج إلى وقفة، فهل فعلاً الطريق طويــل؟! إذا كان هناك طريق طوله 20 كيلو متراً، هل يعتبر طويلاً أم قصيراً؟؟!! إذا كنتَ تقطعه بسيارة تنطلق بسرعة مائة كيلو متر في الساعة فسيستغرق الوقت 12 دقيقة، أما إذا قطعته سيراً على الأقدام فربما يستغرق ما يزيد على الساعتين، بالإضافة إلى الإجهاد. فكيف نحدد إذا كان الطريق طويلاً أم قصيراً؟؟ وهل الطول والقصر نسبي بحسب وسيلة العبور؟؟!!
أرى أننا نسير في طرق محددة المسافة، إلا أن عقولنا تبرر لنا أحياناً عدم المسير، فترينا إياها طويلة، فطريق التحول سلكته أمم في قرون مثل الفرنسيين قبل أن يطلقوا ثورتهم، وسلكته أمم أخرى في عقود مثل الصين رغم تشبث التحديات بها. وكلا الدولتين صنعتا نهضة، فأي الطريقين نسلك؟؟ طريق القرون أم طريق العقود؟؟
وفي الوقت الذي نرى فيه أحزاباً ألمانية قديمة تحاول أن تقطع الطريق الطويــل، نجد هتلر[1] – رغم أنه نمساوي وليس ألمانياً -يلتحق بعدهم بنفس الطريق قادماً من النمسا، لكنه يصل قبلهم ليطبق برنامجه، بعد أن تمَلَّكَه حلم ألمانيا القوية.
إننا إذا استوعبنا ذلك جيداً أدركنا أن الطول والقصر هو أمر نسبي، بحسب عقل الناظر، وحالته النفسية وإمكاناته، فإذا سِرنا في الطريق بعقلية ونفسية وطاقة الأطفال، فسنجد المسافة طويلة وأنفاسنا قصيرة، وستعيقنا بحار الأخطار العميقة عن التنفس وتغمرنا إلى أذننا، وستعجز أعيننا عن رؤية المشهد الواسع الممتد من كل زواياه، أما إذا سرنا في نفس الطريق بعقل استراتيجي، يستمد قوته من قوة العلم، وبرغبة حقيقية في قطع الطريق، ونَفَس طويل يهزأ بالمسافة، فحتماً سنراه قصيراً، ليس لأن المسافة قصرت، ولكن لأننا نعدو سريعاً، وإذا أطللنا على مشهد التحولات فسنرى الأوضاع مختلفة، ليس لأن تعقيد المشهد واتساع أبعاده تغير، وإنما لأننا صرنا أطول قامة وأَحَدَّ بصراً فتمكننا من رؤيته بوضوح.
إن ترديد مقولة “الطريق طويــــــــل” أشبه بمُسكن أو مخدر يسبب مناعة ضد الفعل، خاصة إذا تم توريثها على اعتبارها مسلمة من مسلمات التحول، وأغنية تدندن بها الأجيال، وحكايات تغذى بها عقول الأطفال، فلا تتطور الأفكار لأن الطريق طويــــل، ولا تتغير الاستراتيجيات لأن الطريق طويـــل، ولا تُقدح الأذهان للبحث عن بدائل تعيننا على التسلل إلى المستقبل المنشود لأن الطريق طويــل، ويجب أن لا نتطلع إلى نصر أو نستعجله الآن، وبالطبع لأن الطريق طويـــل.
إن نهايات الطرق لا تزحف إلى السائرين ببطء، وإنما يعدو نحوها العداءون، الذين يوقنون أنهم في سباق، وأن الزمن لن ينتظرهم، فثمة متسابقون آخرون على الطريق. أليس من العجيب أن العلماء الذين فكروا في الصعود إلى القمر لم يروا المسافة بعيدة؟! كان من الممكن أن يقولوا كيف نقطع هذا الطريق الطويــل بالسيارة أو الطائرة، لقد اخترعوا الآلة التي تقلهم إلى مبتغاهم، لأنهم قرروا في داخل أنفسهم أن الطريق يمكن قطعه، وأنهم حتماً سيصلون، واليوم صار الذهاب إلى القمر وإلقاء نظرات على المريخ هواية يمارسها رواد الفضاء المغمورون، لقد عُبِّد الطريق، لأن مجموعة تجرأت عليه، وأيقنت بإمكانية الفعل.
بعض الناس يتخيلون أن المشكلة في الطريق، وهؤلاء لن يرونه إلا طويـلاً، والبعض الآخر يدرك أن المشكلة في عقله ونمط تفكيره وحجم استعداداته، والطريقة التي اختارها للسير في الطريق، وهؤلاء وإن أخفقوا اليوم فغداً سيقطعونه، ويوماً ما سيراهم الآخرون يطئون بأقدامهم خط النهاية.
وائل عادل
1/12/2006
——————————————————–
[1] تم استدعاء نموذج هتلر كمثال للإصرار والتحدي، وهذا لا يعني الاتفاق مع الأفكار والبرنامج والممارسات السياسية التي مارسها، لكن من المثير أن حامل الجنسية النمساوية يحلم أن يحكم ألمانيا، ثم يحكمها ويحصل على الجنسية الألمانية.