قسم: جديد الأكاديمية, زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 19 يناير 2015
الزلزال قادم لا محالة
عندما ننظر إلى خارطة العالم، ونرى القارات مستقرة لتشكل جزيرة عالمية تحيط بها المياه من كل جانب؛ ندرك عظم الدور الذي تتطلبه التحولات الكبرى. فالأرض لم تكن مجزأة بهذا الشكل، ودار حوار وتفاوض مستمر بين اليابسة والماء، ولولا الهزات والرجات والتصدعات لظلت الأرض كتلة واحدة، ولما رأينا مغازلة المياه لليابسة، وتوطنها كحاجز فاصل بين القارات لترسم لنا لوحة رائعة لمشهد القارات الست متربعة على عرش الماء. هذا المشهد الذي نَحَتته الزلازل عبر العصور.
وتحتاج التحولات الحضارية بدورها إلى زلازل تعيد تشكيل وجه الإنسانية، لترسم عليه أرقى الألوان وأبهجها، وتمنحه قسمات الأمل والإصرار.
وكما تمتلك الدول التي تعاني من زلازل متكررة – كاليابان- مراصد للتنبؤ بحدوث الزلزال، لتحذر الناس أن “الزلزال قادم لا محالة”؛ فإن علماء الاجتماع يتنبئون بأن زلزال العقول حتمي الحدوث، وأنه قادم لا محالة، حينما تزداد الضغوط على الأمم، وتتعاظم التحديات المفروضة عليها. وتعجز منظومتها الفكرية عن إبداع تصور للحل، حينها تتصدع الأفكار السائدة وتنهار.
وتأتي الزلازل الفكرية لتعيد تشكيل العقل من جديد، فيتغير تعريف الممكن والمستحيل، وتراجَع المسلمات وأنماط التفكير السابقة التي تولدت في ظلها تلك التحديات، وتُضرب كتل الأفكار الجامدة. هذه الزلازل هي التي تجدد حيوية العقل، وتعيد فرز الأفكار، وتُبدع المَخرج من الأوضاع التي تبدو قاهرة، بعد أن أعلنت الحرب على الأفكار المستقرة في العقل.
ولابد للعقل من زلزال بين الحين والآخر، لأن استقرار الأفكار فيه فترة طويلة لا يدل بالضرورة على النضج؛ بل قد يعني الجمود على ما أَلِفه، لذلك يجب أن يرتج بين الحين والآخر رجات قوية يعيد من خلالها فرز أفكاره ومراجعة مسلماته. ولا عجب إن أبقى على بعض الأفكار التي يصلح بها العقل، وشذب البعض الآخر وطوره، واجتث مجموعة أخرى من الأفكار بلا رجعة، تلك الأفكار التي تعيق الحراك الجاد نحو التحول.
إنه زلزال حقيقي، يضمن حيوية العقل، ويبدو مؤكد الحدوث مع عجز نمط التفكير السابق عن إيجاد حلول وبدائل تفل التحديات، في الوقت الذي يتطلع الناس فيه إلى مخرج.
وإذا تأملنا حياة المصلحين والمفكرين والقادة الذي أحدثوا تحولات تاريخية؛ لوجدنا أنهم زلزلوا العقول، إما بالتعرض للمعتقدات السابقة بالنقد، أو مقاومة المسلمات الخاطئة مثل توهم أن الأرض مسطحة، أو تغيير أنماط التفكير والنظر إلى شكل المجتمع الأفضل، أو طرح أطروحات جديدة جذابة تخاطب أشواق الجماهير، أو القيام بمبادرات ميدانية تؤكد القدرة على إحداث التحولات. لقد اتخذوا من عقول الجماهير هدفاً، وصاغوا من القول والفعل أدوات لإحداث الرجات، إنهم مهندسو “تسونامي” العقول الجارف، الذي يغير قناعات الجماهير، لتنتقل من الشعور بالعجز إلى الإيمان بإمكانية الفعل، وتسرع إلى مغادرة مقعد المتفرج لتنتقل إلى مقعد الفاعل.
إننا إذا أردنا تغيير وجه خارطة الفعل السياسي والاجتماعي، فلا نبالغ إذ نقول، أنه لابد من زلزلة العقول. وسيكون لتلك الزلزلة دوياً شديداً، لأنها لا تسعى لعقد صفقة أو تسوية مع الأفكار البالية، فهي زلزلة تصنع واقعاً جديداً، فلا يرهبنك أن تصدعاتها تبتلع الأفكار الجامدة وهي تفر مذعورة. لأن هذه الأفكار هي نفسها التي ابتلعت أحلامنا يوماً ما، وصادرت قدراتنا المذهلة على التخيل وإبداع الحلول.
وائل عادل
22/11/2006