قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 19 يناير 2015
من الواضح أن إخفاقاتنا ليست نتاج دهاء أعدائنا
كنت على موعد مع صديق لي في النادي… وصلت مبكراً… تجولت حتى يحين الموعد… دخلت قاعة البليارد… بدأت أتأمل اللاعبين… لفت انتباهي طفل… أسرتني مهارته، وأعجبتني وقفته كفارس محترف من فرسان البليارد، سألته عن كيفية وصوله إلى هذا المستوى، فعرفت أنه يتدرب يومياً ساعتين، وأنه من عشاق هذه اللعبة… دعوتُه – بعد أن حسم المبارة لصالحه – أن يتجول معي… فاقترح الذهاب إلى ملعب كرة القدم.
انتقلنا إلى الملعب، وازداد شوقي لرؤية هذا البطل الصغير في ساحة الكرة، بدأت المباراة، كانت عيني لا تفارقه، لكنه صدمني!!… فقدرته على التحمل ضعيفة جداً، وتصويبه للكرة قلما أصاب حدود المرمى، كان أمراً مذهلاً، وحزنتُ كثيراً… فقد توقعتُ استمتاعاً بأدائه كما أمتعني في البليارد… انتهت المباراة، وأتاني وأنفاسه تزلزل جسده.
قلت له: لم يعجبني أداؤك.
رد متعجباً: أنا لا أتدرب على كرة القدم، ولست لاعباً متمرساً فيها… أنا لاعب بليارد….
أحسست أنني بالغت في قدرات الطفل، أو أردت أن أرى منه فعلاً لم يرده هو من نفسه، فقد أراد فقط أن يُمضي وقتاً ممتعاً مع الكرة، وأردته بطلاً في كرة القدم.
كثيراً ما تتدرب أمتنا على لعبة البليارد التي لا تستدعي بذل جهد بدني كبير، أو لياقة عالية، وتغفل عن أن المباراة المدعوة لخوضها في كرة القدم. وشتان بين حجم كرة القدم التي تضربها بعنف وتتطلب قدماً قوية، وبين حجم كرة البليارد التي تغازلها بعصا خفيفة بعد أن ترتشف بعض الشاي، وبون شاسع بين ملعب البليادر الذي تطوف حوله بدلال، وملعب كرة القدم المهيب الذي يسلب الأنفاس، ويقهر العدائين من الرجال، وهناك تمايز كبير بين خصمك في لعبة البليارد، الذي يتفرج عليك وأنت تلعب، ويمنحك فرصتك، وبين خصمك في كرة القدم الذي لن يتورع عن تسويتك بالأرض قبل أن تدخل منطقة الجزاء. إن كثرة التدريب على البليارد لا تغني عن لاعب كرة القدم شيئاً، والساعات الطوال التي يقضيها في التمرس على هذه اللعبة لن تشفع له حينما ينتظر الجمهور عَدْوَه برشاقة ثم يسدد ويحرز الهدف. إننا مع كل مباراة نمارس نفس السلوك، فنخرج من قاعة البليادر إلى الاستاد، ثم نشكو قوة المنافس، ونندد بظلم الحَكَم، وقد نلعن الجمهور المتآمر، ثم نقسم أننا تدربنا الساعات الطوال، وفعلنا ما بوسعنا.
من الواضح أن إخفاقاتنا ليست نتاج دهاء أعدائنا، أو تفوق عدتهم وعتادهم، وإنما هي نتيجة طبيعية غير مفاجئة لممارسة البَلَه السياسي على مدار عقود، وهدر الأوقات في افتعال الحراك.
على الناحية الأخرى… ها نحن نبصر أداءً راقياً يذهل العدو قبل الصديق، عندما نجد منظمات جادة، ومؤسسات قررت أن تستعد للمباراة.
إن لاعب الكرة الذي يتدرب على البليارد أشبه بالمقاتل الذي يتدرب على العمل البرلماني، وبالمناضل السياسي الذي يتدرب على العمل الخيري، وبصاحب المشروع الخيري الذي يتدرب على تدريس الطلاب.
يحتاج الأفراد والمؤسسات في كل القطاعات إلى وعي بالأدوار التي سينتدبون أنفسهم لها، فيدركون طبيعتها جيداً، ثم يتدربون ويمتلكون أدواتها، وإلا ظلت الأمة تبذل جهوداً في البليارد، بينما الجمهور ينتظرها في استاد كرة القدم، وإذا قرر الأبطال أن يخوضوا المباراة، فليكفوا عن الجري حول الملعب “التراك”، وليكسروا خوفهم من اقتحام المساحة الخضراء، حيث يدور التنافس.
يجب أن نحدد أولاً أي المعارك نخوض، ثم نستعد لها بما تتطلبه من إعداد. وليس من البذل أن يسيل العرق في التدريب ولا توجد نية خوض المباراة، وليس من الفطنة أن تستنزف عمرك لتؤسس مدرسة للسباحة في قلب الصحراء.
وائل عادل
13/8/2006