قسم: زلزال العقول
أضيف بتاريخ: 18 يناير 2015
أستطيع أن أرى عقلك من الداخل من خلال سلوكك
فتحت الحاسب (الكمبيوتر) هذا الصباح… كنت أبحث عن ملف في غاية الأهمية… وجدت ملفات كثيرة (Files) لم توضع في مكان يجمعها (Folder)، كانت متناثرة… مختلطة… تتهكم وتقسم أن تحيرني… تتوعدني بأن يعلو ضغط الدم عندي… تتحداني أنني سألجأ إلى كوب من الشاي متوهماً أنه طوق النجاة… وبالفعل… هرعتُ لأعد كوب الشاي… قبل أن أعيد خوض صراع البحث عن الملف!!
بدأ البخار يتصاعد حتى أوشك أن يداعب جبهتي… حينها فكرت!! ما ضرني لو كنت خصصت حافظة (Folder) لكل موضوع أضع فيها كل الملفات المتعلقة به؟! لماذا لم أخصص حافظة (Folder) للأدب، وأخرى للسياسة، وثالثة للأخبار ورابعة للفن… وخامسة.. وسادسة..
فجأة… راعني سؤال تطفل إلى عقلي… ترى!! هل المعلومات في عقلك مرتبة أم أنها متناثرة بهذا الشكل المخيف؟! وإذا كانت بهذا الشكل!! فكيف أتخذ قراراتي في حياتي وهي مبنية على استدعاء سريع لهذه المعلومات من العقل؟؟!
أصابني الذهول… وأحاطت بي الحيرة، نعم.. كثيراً ما بذلت جهداً في استدعاء معلومة أعرفها وسمعتها من قبل، لكن عقلي لا يسعفني، وكم من مرة وجدتني عاجزاً عن التعبير عن شيء أعرفه، وكم من قرار أعياني إطلاق سراحه من حيز الفكر إلى الواقع وشعرت بألم من التفكير!! وكم من … وكم من …معقول؟!! هل ما يراود عقلي الآن صحيحاً؟؟!! لا… هذا أمر لا يمكن تخيله…
يبدو أن العقل مليء بالملفات (Files) التي تحتاج إلى حافظات (Folders) تجمعها، ليسهل استدعاء المعلومة، ويسهل حفظ المعلومات الواردة من الخارج في أماكنها الصحيحة، ومن ثم استخدامها. والإنسان يحتاج أن ينظم خارطته المعرفية، هذه الخارطة التي ينتج عنها – في النهاية – السلوك البشري، وكلنا نتصرف وفق مدخلات معينة تدخل عقلولنا، تصف لنا الواقع والذات والآخر، فإذا كانت المدخلات خاطئة سينشأ سلوك خاطيء، وإذا كانت مدخلات صحيحة وغير مرتبة تضطرب الخارطة المعرفية وتتشابك المعلومات ويساء تفسيرها، ونشهد هذا الاضطراب في السلوك في واقعنا، ويتجلى بوضوح هذا التشويش في خلل في الفعل السياسي والاجتماعي والتحرك في فراغ استراتيجي وأزمة في اتخاذ القرار، ونلمسه كذلك في شكل تعثر في الحركة على بساط النهضة ومزاحمة الأمم مقاعد الصدارة.
إننا نستطيع أن نقول إن شكل حركة وطبيعة سلوك الإنسان، هو انعكاس لطبيعة المعلومات وشكل ترتيبها في عقله. وبحسب النتوءات في هذه الخارطة – سواء في المضمون أو الترتيب – ستكون النتوءات في السلوك. لذلك أيضاً بإمكاني أن أزعم أنني أستطيع أن أرى عقلك من الداخل من خلال سلوكك.
وبينما أنا شارد في هذه الأفكار؛ إذا بي أجدني وقد غطى البخار جبهتي، لكنه كشف لي طرفاً من عجائب العقل، عدت إلى حاسبي الحبيب، وتأملت ملفاته المتناثرة، وبدأت أصنع الحافظات (Folders)، وأرتب ملفاتي… الآن صار استدعاء المعلومة أسهل، وبالمثل حفظ المعلومات الجديدة وأرشفتها.
سمعت طرق باب الغرفة، فإذا بصديق لي يأتيني ومعه حاسوبه الخاص، سألني أن أشاركه في أحد المشاريع…
قلت له: ما هدف المشروع؟
قال: أن نشتري وحدة تصوير.
قلت له: لا.. لا أسألك عن الوسيلة.. أسألك عن هدف المشروع..
قال: أن نشتري وحدة كاملة مع نظام صوتي..
قلت له: لا.. هذا أيضاً ليس الهدف.. أنت لا تجيبني على سؤالي… أسألك عن الهدف.. كأن تقول لي “نحن نريد أن نفوز في مسابقة الجزيرة لأفضل لقطة، ووسيلتنا لذلك شراء وحدة كاملة لنضمن جودة عالية..”
قال:…
قلت:…
قال:…
قلت:…
قال:…
قلت:…
قال:…
قلت: لا.. هذا أيضاً ليس الهدف..أنت لم تجبني على سؤالي… أسألك عن الهدف..
ثم قلت له: افتح حاسبك…أرني إياه..
فرأيت الملفات متناثرة في كل مكان..!!!!
وائل عادل
7/6/2006