قسم: مكتبة الأسئلة
أضيف بتاريخ: 20 أبريل 2011
أحياناً يمر ثوار اللاعنف بحالة من الحيرة، حيث يشعرون أنهم فعلوا ما بوسعهم واستنفدوا ترسانة الأسلحة اللاعنيفة، ولأن الأوضاع أصبحت ثابتة لا تتطور فيجب التفكير في حل آخر، هنا يظهر على الساحة الفريق التقليدي الذي لا يؤمن إلا بالعنف، مستغلاً تلك الحيرة للدعوى إلى عمل ميليشيات عسكرية، وتحويل مسار الصراع إلى مسار عنيف. عندها تمر الثورة بأخطر منعطفاتها.
في البداية يجب التفكير، هل الهدف هو الإطاحة بالرئيس أم تأسيس مجتمع قوي حر؟ لو كانت الأولى فإن الانقلاب العسكري قد يكون أيسر سبيل للإطاحة برئيس، وربما هو المسار الأقل كلفة على المجتمع.
لكن "حرب اللاعنف" هي ثورة حضارية تبشر بتمدين الصراع السياسي، وهي تجاهد في سبيل ذلك انتصاراً لمبدأها، لتثبت أنها قادرة في الأزمات العاصفة على التعامل بشكل مدني متحضر، فكيف إن استقرت الأوضاع ومورست السياسة بشكل طبيعي. إنها تؤسس لمجتمع جديد. حيث يدرك المجتمع أنه هو الذي يدير شئونه، أداته هي الطاعة أو العصيان.
كذلك الثورة اللاعنيفة تجعل المجتمع كله شريكاً في التغيير، في حين أن الميليشيات العسكرية ستكون لها الكلمة العليا دائماً وستفخر بأنها قوة الحسم التي يجب أن تحكم، خاصة والسلاح لا يزال في أيديها. وقلما نجد قوة عسكرية تصل إلى الحكم ثم تتنازل عنه للشعب.
كما أن العنف هو الملعب الأفضل للخصم، وهو يبذل شتى الجهود لإقناع الثوار أن مسارهم الحضاري الذي يحرجه أمام العالم غير مجد، فيدفعهم إلى ملعب العنف حيث تتكتل قوته وتعظم قدراته. ويبدأ في توصيف الصراع بأنه "حرب أهلية".
والعنف كذلك يُدخل المجتمع في دوامة الثارات والانتقام المفرط، ومن ثم تذهب العدالة خاصة في المراحل الأولى عند محاكمة المسئولين عن الفساد، تنقلب الثورة على نفسها وتسرف في القتل والتنكيل.
كما يحرم العنف قطاعات واسعة من الشعب من المشاركة، لتكون المشاركة حكراً على القادرين على حمل السلاح. في حين يراهن اللاعنف على مشاركة أكبر قطاع بسلاح العصيان وسحب الطاعة.
عندما يحمل الثائر سلاحاً فإنه في الغالب لا يؤسس لدولة العدالة والحرية والقانون، لأنه سيرفع سلاحه دوماً حين لا تكون الغلبة لصالحه.
لقد كانت الثورة الإيرانية في عام 1979 نموذجاً للرد غير العنيف على هجمات وحشية قتل فيها عشرات الآلاف، ورغم تشكل جماعات مسلحة كرد فعل على ما حدث، إلا أن نداء الخميني كانت له الغلبة، التصدي بجسد عار للآليات العسكرية. فالعنف المفرط في النهاية له حدود، خاصة إن لم يتمكن من كسر الإرادة وكان الرد عليه هو المزيد من الإصرار على المواصلة والتمسك بعدم الانزلاق في مسار العنف.
فليحذر الثوار حين يظنون أن أسلحتهم اللاعنيفة بلغت مداها، لا ينبغي أن يبدأ التفكير مباشرة في الانتقال إلى العنف، بل ينصب التفكير على تطوير الاستراتيجيات ووسائل الضغط الفعالة.
"اللاعنف المطلق مستحيل" هكذا قال غاندي، ولكن شتان بين اللجوء لقدر من العنف من أجل حصار العنف وتقويضه، وبين الاعتماد على العنف كمسار أساسي للتغيير، شتان بين عنف القوة العسكرية وعنف الثوار حين يردون بالحجارة أو ما يقع تحت أيديهم من أدوات بسيطة يدفعون بها العنف المفرط في مشهد يدعو للتعاطف معهم لا الخوف منهم. ليس هذا هو العنف الذي نعنيه.. ما نعنيه هنا تكوين ميليشيات عسكرية مدربة لا ندري من سيتمكن من كبح زمامها حتى لو نجحت في إحداث التغيير.
إن تحرير الأوطان يتطلب صموداً وتضحيات، سواء كانت عبر مسار عنيف أو غير عنيف، إن كنت على استعداد أن تُستشهد في مسار عنيف، فما المانع أن تُستشهد في مسار غير عنيف، انظر إلى نتائج كلا المسارين، وتمسك بالنتائج، واعلم أن الوسائل يجب أن تتسق مع النتائج.
وائل عادل
20/4/2011