قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 19 يونيو 2014
غالباً ما يكون النصر محصلة مجموعة من المعارك، بعضها يدور على جبهة الخصم، والبعض الآخر يدور على الجبهة الداخلية في مجتمع المقاومة، ونحتاج أن نرصد بدقة المعارك الداخلية، التي تؤثر بشكل كبير على مسار الكفاح كله.
ومن هذه المعارك، خلق ممرات آمنة لحركة الأفكار داخل المجتمع المقاوم، فالأفكار هي الدماء التي تسري في شرايين المجتمع، وأي انسداد في الشرايين ينذر بالخطر. ويهدد قدرة المجتمع المقاوم على مراجعة أفكاره وقرراته وتطوير أفكاره.
من مزايا المجتمع المقاوم أن حركة النقد الذاتي فيه مستعرة، وأعني نقد المجتمع المقاوم ككل لذاته، وليس فقط نقد كل كيان فيه لذاته، مثل ما يقوم به الكُتاب والمفكرون المنتسبون لمجتمع المقاومة، حين ينقدون جذور الأفكار التي تأسست عليها المقاومة، أو المسار الذي سلكته. وهناك أيضاً النقد الذي توجهه كل حركة للأخرى حين تضعها تحت المجهر، وتقدم لها كشف حساب، بدافع الشماتة أو الغيرة حيناً، وبدافع التقييم الحقيقي تارة أخرى.. هذه العملية من النقد – وإن بدت مؤلمة وأحياناً غير موضوعية- لا تجدها في معسكر الطغيان الذي يعتمد على هز الرؤوس، ويعتبر من لا يهز رأسه خائناً، فيكون مصير هذا المعسكر في النهاية هو ذات المصير البائس الذي تسببت فيه تاريخياً كل قيادة حمقاء، لم تجد في صفوفها من يقف في وجهها ويقول "لا"..
إن مجتمع المقاومة متفوق في معركة النقد رغم أنها تتم بعفوية، وأحياناً لا يعي وجودها، ربما لأنها لم تنضج وتؤت ثمارها بعد، أو لم تتطور إلى الشكل المأمول، بأن يقدم كل كيان كشف حساب خاص بمسيرته وأفكاره. لكن هذا شكل واحد من أشكال النقد المهمة. والنقد قد لا يبدأ بهذه الطريقة المثالية، والأرجح هو أن ننظر للمجتمع المقاوم ككل، ونرصد مؤشر النقد فيه، هل تتم فيه حركة نقد أم لا، وما تأثيرها على تطور مجتمع المقاومة. بغض النظر عن طبيعة النقد، هل هو نقد ذاتي داخل كل كيان، أم نقد موجه يأتي من خارج الكيان لكنه لا يخرج عن إطار مجتمع المقاومة.
كذلك يندرج في النقد كل ما من شأنه أن يصحح مساراً أو يقوم فكرة، سواء أخذ النقد طابعاً منهجياً علمياً، أو طابعاً ساخراً، أو حتى مجرد عبارات تأنيبية حادة. فالنقد لن يتم دائماً في صورة منهجية، ولكنه نقد مجتمعي يعبر فيه كل شخص أو كيان عن رؤيته بحسب ثقافته وأدوات تعبيره. كما أنه لن يتسم دائماً بالإنصاف والموضوعية التامة، ولكنك ستلتقط منه ما يجبر كسرك. هذا إن أردت الفوز في معركة النقد.
إن الفوز في معركة النقد لا يقل أهمية عن الفوز في معركة كسر حاجز الخوف، فكما تكسر المقاومة حاجز الخوف، فإنها تكسر حاجز الجمود وبلادة التفكير. فالنقد في عرفها ليس مجرد تقنية للتطوير، ولكنه قيمة ثورية تتطلب رعاية. فالثورة في أحد أشكالها صرخة نقدية عملاقة، واعتراض عملي شديد اللهجة يعصف بالواقع السيء أملاً في واقع مختلف. والمقاومة لديها من الشجاعة والمسؤولية ما يجعلها تنتقد الواقع كيفما كان.. حتى لو كان هذا الواقع هو واقع الثورة ذاتها!!
فالثورة ليست آلهة، وإهمال النقد له دور في كثير من الأزمات التي تمر بها مجتمعات المقاومة، سواء كان ذلك بسبب عدم الإنصات للصوت الناقد، أو عدم قدرة الناقد على رفع صوته وإعلان رفض المسار خوفاً من الإرهاب النفسي والتسفيه والتخوين بسبب مخالفة المجموع. وفي ذلك ردة عن الروح الثورية، التي تُسلب تدريجياً "الطاقة النقدية"، التي تعد من أهم خصائصها، لتكتسب المقاومة نفس خصائص الطغيان، فتلقى نفس المصير التعيس.
إن النقد – على آلامه – سمة يفتخر بها مجتمع المقاومة، وهو راية ينبغي أن تظل خفاقة، لأنها تميزه عن معسكر الطغيان. فالمقاومة تخوض معارك النقد الشرسة في صفوفها بلا هوادة بينما الطغيان يُجَرِّمها ولا يقبل سوى المصفقين. ومجتمع المقاومة يضع أي قيادة تظهر فيه تحت المجهر ويُسقطها إن انحرفت غير مأسوف عليها، بينما الطغيان لا يتقن سوى فن الحمل على الأعناق وصناعة الأصنام. والمقاومة تجد على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي نقاشات وسجالات حادة تتنوع فيها وجهات النظر حول المقاومة، بينما معسكر الطغيان لا ترى في صفحاته سوى "الله عليك يا حبيب والديك"!!
وائل عادل
19-6-2014