الخميس, 18 سبتمبر 2014
آفات العقل الثوري

اليأس عبادة

قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 18 سبتمبر 2014

ل تعلم أن اليأس أحد الأدوات المهمة في التحولات الجذرية؟! وأن اليائسين ليسوا كلهم مهزومين نفسياً؟؟ فهناك أصناف مميزة وصحية من اليأس واليائسين!!

"اليأس الاحتجاجي".. كاليائسين من الأهداف أو الاستراتيجيات العابثة التي يدعو لها أو يمارسها المؤمنون بالتغيير.. وهؤلاء اليائسون أحياناً تجدهم من أكثر الناس انحيازاً لمشروع التغيير، لكن حماسهم وإيمانهم بضرورة التغيير لا يعميهم عن رؤية خطأ المسار، فلا يتحدثون عن أمل زائف يبشر بأن تكرار الخطأ سينتج شيئاً عظيماً، وبانسحابهم من المشهد وإعلان اليأس من المسار ينعون بذلك المسار غير المنتِج.

وحين يرون تباشير احتضار المسار غير الفعال يملؤهم الأمل، بأنه إن يأس عدد أكبر من ذلك المسار فسيتم الإجهاز عليه تماماً، وأجراس الأمل الصادق بالنسبة لهم يمكن فقط أن تُسمع إن سادت حالة اليأس من صواب الأفكار الراهنة والطريقة التي تعمل بها!!

وقد يتطور اليأس الاحتجاجي على المسارات والأطروحات غير المقنعة والفعالة، إلى إعلان اليأس من القيادات، فاليائسون كذلك من قياداتهم هم الذين يشعلون الأمل في نفوس آخرين ينتظرون لحظة التغيير داخل الكيانات التي أنتجت المشهد الراهن، وكل أمل زائف في صلاح القيادات الفاقدة للموهبة يعني تعثر مشروع التغيير.. هذا اليأس الراسخ الذي لا يهتز رغم كل محاولات حقن الشخص بالأمل؛ هو الذي يصنع التحولات الثورية داخل الكيانات، أو ينشيء كيانات جديدة لا تحمل إشكاليات الماضي.

وهناك "اليأس النادر".. الذي تيأس فيه القيادات ذاتها من أفكارها، واثقة أن المرحلة تجاوزتها، وتعلن بجرأة أنها لا تمتلك أجوبة على تحديات الواقع، رافعة الراية البيضاء الخفاقة. وهي ليست راية انكسار، بل راية احترام وتقدير للذات وللآخر. فتقدم خلاصة تجربتها ليستفيد منها من يليها. أليست الراية البيضاء أفضل من الكارت الأحمر الذي سيرفعه اليائسون في وجوه قياداتهم؟!

واليائسون المحتجون على المسار أو القيادات قد لا يملكون سوى صفع المسار القائم، وإسقاط قدسيته، بعمل انسحابي احتجاجي مشروع قد يشكل قوة استثنائية. إنها قوة اليأس حين تبلغ مداها، وتتحول إلى طاقة تغييرية لا تجامل القديم، ولا تحنو على الأفكار المهترئة التي تعبث بالمصائر. إنها قطرات اليأس التي بدأها أفراد أعلنوا بشجاعة يأسهم مما هو قائم، حتى لو لم يعلموا بديلاً بعد.. لتتحول القطرات بعد فترة إلى موج هادر، بفضل مجموعات أخرى تملَّكها "اليأس الملهِم".

واليائسون الملهِمون هم الذين يدفعهم يأسهم من المسار المجرَّب غير المنتج إلى التفكير في مسار جديد، وإعطاء مهلة للعقل قد يطرد ضجيج المسار السابق، ويستعد لإنضاج مسار آخر يُتوقع أن يكون أكثر فاعلية وتأثيراً. وهم مشبعون بأمل حقيقي. أمل في أن أفكاراً جديدة يمكن أن تغير الواقع، وأن التجربة قد تكشف مساراً كامناً لم يكتشفه أحد، وأن يوماً ما سينجح اليائسون من المسارات المجربة، والآملون في مسارات جديدة؛ في اكتشاف معادلة التغيير الصحيحة.

وهذا اليأس بأنواعه يأس فعال، يختلف عن اليأس المَرَضي القاتل. فهناك صنف من الناس يأسهم هو عدتهم للأمل، بينما هناك صنف آخر أصابته سهام اليأس في مقتل.. اليأس من أي شيء قائم أو قادم، ربما أفرطوا في جرعة اليأس فبدوا سُكارى، لا يحسنون رؤية ثغرات الواقع فظنوه حائطاً من كتلة خرسانية، فصاروا لا يرون حاضراً أو يتخيلون مستقبلاً!! أما الصنف الأخطر فهم "اليائسون المنافقون".. الذين يجاملون الأفكار السخيفة والمسار العابث، وهم من داخلهم يكفرون بها. يقولون لك: "وهل تريدنا أن نقول لهم أنتم مخطئون فنحبطهم؟!".. فليفترسهم الأمل الكاذب إذن!!

سيأتي زمان يفتخر فيه "اليائسون" الصادقون العنيدون الذين بثوا روح اليأس مما هو قائم، والذين دفعهم يأسهم إلى أن يهبوا لاكتشاف المجهول، والبحث عن الحلول الفعالة. الذين أشعلوا الحرب ضد "الأمل الكاذب". صادروا عملة الأمل الزائفة المتداولة، وضخوا عملة جديدة تبشر بالأمل فيما هو قادم، لا ما هو قائم. لعل الناس تهرع إلى منافذ العملة الجديدة، على بوابات المراجعات وإنضاج الرؤى وتقديم البدائل.

يوماً ما سيفتخر "اليائسون" الأصحاء، حين يعي المؤمنون بمشروع التغيير أن هذا المشروع لا يحتاج أحياناً إلى ذلك النوع من الأمل الخطابي الشعاراتي، ولكنه يحتاج إلى وعي يائس من إمكانية ما هو قائم في الانتقال بمشروع التغيير إلى أفق جديد، فاليأس هنا ليس خيانة.. بل عبادة، وهو بداية التوبة النصوح، والعكس صحيح.. "الأمل خيانة".. خيانة للعقل والضمير ولمشروع التغيير، وهل هناك خيانة أكبر من أن تأمل في الخطأ، وتتودد إليه، وتعطيه بمشاركتك المزيد من الدافعية والانطلاق؟!

يوماً ما سيفتخر اليائسون بأنهم الرواد الذين سحقوا الأمل الكاذب.. طاردوا الأمل في كل مكان، وحاصروه في كل عقل.. يوما ما سيفتخر اليائسون الأوائل، وهم يرون سيل اليائسين من الأفكار القديمة يطرقون كل باب جديد، ويجربون مسارات متنوعة… يوماً ما سيصيح اليائسون فرحين.. يأسنا لم يضع سدى!!

 

وائل عادل

18-9-2014

 


جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.