قسم: مكتبة الأسئلة
أضيف بتاريخ: 5 مايو 2017
تسعى الأنشطة بالدرجة الأولى إلى مخاطبة العقل، وتحريره من أسر الخوف والعنف على حد سواء، وإقناعه عملياً أن ثمة وسائل حضارية فعالة استخدمت تاريخياً للتغلب على الديكتاتوريات، وأن هناك خياراً ثالثاً غير الاستسلام أو اللجوء إلى العنف، عبر معركة تحرير العقول المتميزة بالديناميكية التي تخضع فيها العقول لكل التأثيرات، فإما أن يرهبها وعيد الخصم وعنفه فتركن لليأس والعنف، أو تستميلها وعوده بالرخاء فتركن إلى الأماني والاستسلام، وإما أن يستهويها المستقبل والشكل الحضاري الذي تؤهلها له حركة المجتمع اللاعنيف، فلا ترضى إلا بالمقاومة بديلاً حضارياً.
وكل نشاط – خاصة في بدايات الصراع- يخاطب العقل بذكاء، ليحرره من اليأس، ويؤكد لديه القدرة على الفعل. ولا يتم ذلك عبر الكلام فحسب؛ إذ القوة الأكثر تأثيراً تكمن في الأنشطة الفعالة التي تحقق مكاسب مرحلية، مما تجعل العقل يتحرر من الأوهام التي تسكنه، فيكفر باليأس ويؤمن بإمكانية الفعل. ويوضح شافيز هذا الأمر قائلاً: "الرجل الذي انضم إلى المضربين فكر كثيراً قبل اتخاذ القرار، وفي اللحظة التي ينهض المزارعون وينفذون الإضراب لا يعودون كما في السابق بل تتغير طريقة تفكيرهم".
لذلك يعي النشطاء جيداً أنه لا يكفي أن يرددوا بصخب "نحن لاعنفيون"؛ بل يجب أن ترى الجماهير وسائل فعالة قادرة على تحقيق أهداف المقاومة الجزئية المرحلية، وتغير أفكار الجماهير، هذه الوسائل الفعالة هي التي تحرر العقول عملياً من وهم وجود الخطوط الحمراء الحصينة.
من هنا تطرح المقاومة الناجحة أهدافاً جزئية قابلة للتحقيق في بدايات الصراع، وتختار لإنجازها أنشطة مبدعة، ثم تحسن تسويق ذلك الانتصار – الذي كان يراه المخططون حتمياً، وهو هنا ليس انتصاراً على الخصم بقدر ما هو انتصار في معركة تحرير العقول.
من كتاب "أسلحة حرب اللاعنف" – أكاديمية التغيير