قسم: مكتبة الأسئلة
أضيف بتاريخ: 5 مايو 2017
صعب القول بوجود "لاعنف مطلق"، والذين خاضوا تجربة العمل اللاعنفي لطالما تجنبوا استعمال هذه العبارات"، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام وسائل الفعل المباشر، فعندما تحاول مجموعة من النشطاء اقتحام مبنى عبر وسائل اللاعنف فإنها قد تضطر لاستخدام القوة البدنية أحياناً، وحين يقرر المقاومون عرقلة مسيرة قطار محمل بأغذية فاسدة فيضعون الحواجز الضخمة ويفسدون القضبان الحديدية التي يسير عليها القطار (دون أن يتسبب ذلك في حوادث مرورية)، قد يحار المرء هل يعد هذا عنفاً أم لا؟! إن نشطاء اللاعنف لا يستخدمون بالتأكيد العنف العسكري أو عنف الأسلحة البيضاء وإضرام النيران في الممتلكات، وما سوى ذلك من العنف ليس جزءاً أصيلاً من فلسفة أنشطتهم ولكنه طاريء عليها في أقل الحدود، وبتصميم خاص يؤكد صورة المقاومة الحضارية، أي إن حرب اللاعنف –عند الضرورة- تستخدم العنف في أرقى أشكاله مقارنة باستخدامات الخصم له، فاللاعنف – خاصة في مراحل الحسم- يضبط العنف ويتحكم فيه ويحجمه، ولا يدعي إلغاءه كلية بكل صوره، ومن هنا كان وصف لويس بيرنيرت للعنف الذي يختلط بالكفاح اللاعنيف بأنه "لا يتعلق بعنف السلاح، ولكنه لا يقل تدميراً عنه من حيث القوة". أما مولر فيرى أنه من الوهم القول بتجنب كل أشكال العنف، لكن يمكن الحد من التورط في مسار العنف، وحينها فقط يمكن الحديث عن اللاعنف.
ويتحدث غاندي عن هذا الأمر بعبارات واضحة: "بما أننا لسنا أرواحاً طاهرة، فإن اللاعنف الكامل نظري تماماً كخط إقليدس المستقيم"."فاللاعنف المطلق مستحيل".
غير أن نشطاء اللاعنف لا يستسلمون لتلك الثغرة المفاهيمية التي قد تجعلهم يتوسعون في استخدام العنف، فالعنف الشعبي تكلفته عالية على المجتمع، إنهم يحررون عقولهم كي يضعوا حداً لحتمية العنف، ويطورون وسائلهم حتى يقلصوا اللجوء إليه، والأهم من هذا كله أنهم يستطيعون وضع حد للعنف الذي يلتهم المجتمع، إنهم يدينون العنف ليجبروا أنفسهم على التخيل والابتكار وإبداع وسائل جديدة، وكلما طوروا أسلحتهم لتسد الفجوات التي تملؤها الممارسات العنيفة؛ كلما كان ذلك إرهاصاً باحتضار العنف، وتحقيق حلم اللاعنف المطلق.
من كتاب "أسلحة حرب اللاعنف" – أكاديمية التغيير