الثلاثاء, 3 يوليو 2012
الإعلام - صوت وصورة

جرينبيس…رحلة التأسيس

قسم: الإعلام - صوت وصورة
أضيف بتاريخ: 3 يوليو 2012

حوارات بدأت في جلسات حول طاولة المطبخ، بين مجموعة من الحالمين بالحفاظ على الكوكب والراغبين في تسجيل اعتراضهم على ما يرون أنه يهدد الحياة عليه… نتج عنها قرار بالإبحار في رحلة إلى منطقة تفجيرات نووية… لم يكونوا يعلموا وقتها أنها ستكون رحلة حياة وستنتج حركة تساهم في تغيير العالم…

 

من اللجنة التأسيسية…إلى سلام أخضر…

فريق صغير من الناشطين من مدينة فانكوفر، كندا جمع بينهم اهتمامهم بالحفاظ على كوكب الأرض ورغبتهم في تسجيل اعتراضهم على الاختبارات النووية، فقاموا في عام 1970 بتشكيل لجنة حملت إسم“The Don’t Make A Wave Committee”، وهم: دوروثي وإيرفينغ ستو، ماري وجيم بولن، بن ودوروثي ميتكالف، وبوب هنتر.  كان الهدف الوحيد من إنشائهم لهذه اللجنة هو إيقاف الاختبار الثاني للأسلحة النووية في جزيرة أمشيتكا التي تقع شمال ولاية آلاسكا في الولايات الأمريكية المتحدة. وكان أول مدرائها ستو، وبولن، وطالب يدعى بول كوت.

 

أعضاء The Don’t Make A Wave Committee ومؤسسين جرينبيس (من الشمال) جيم بولن، بول كوت، إيرفينغ ستو

بالنسبة للصحفي بوب هنتر، أحد مؤسسي اللجنة، كان الطريق إلى تحقيق ما يهدفون إليه بسيطاً.. "لماذا لا نبحر بقارب إلى هناك ونواجه القنبلة؟!". وبينما كانت المجموعة تحتسي القهوة في إحدى لقاءاتها الصباحية، قامت ماري بولين، العضو المؤسس في اللجنة أيضاً، بطرح نفس فكرة بوب بالإبحار إلى أمشيتكا لمعارضة الخطط الأمريكية، إلا أن الموجودين كانوا عبارة عن خليط من الكويكرز (1)، دعاة السلام، علماء البيئة، صحفيين، وهيبييز، ممن لم يعرف عنهم الالتفات لمثل هذه الأفكار الكبيرة.

 وعلى غير المتوقع قامت المجموعة بتبني الاقتراح الجريء غير المألوف! وخلال أسابيع بدأ أعضاء اللجنة بالاجتماع لإعداد الخطة اللازمة لتنفيذه، وخلال خروجهم من إحدى اجتماعاتهم الأولى قام إيرفينغ ستو كعادته بالتلويح للبقية بإشارة السلام بيده قائلاً : "سلام" “Peace” . فرد عليه العالم البيئي الكندي بيل دارنيل: "لنجعله سلاماً أخضراً". وعندما حاول الفريق وضع الإسم الجديد "جرين بيس"“Green Peace”على دبابيس كأولى طرقهم لجمع التبرعات، لم تتسع الدبابيس للكلمات، فقاموا بدمجها في كلمة واحدة "جرينبيس"“Greenpeace”، والتي أصبحت الإسم الجديد لللّجنة.

 

حفلة الأمشيتكا…  

 بدأت المجموعة بحملة لتمويل شراء القارب، وكانت أولى الخطوات هي بيع دبابيس بقيمة 25 سنت تحمل اسم جرينبيس. إلا أن الفريق أدرك أن هذه الطريقة لن تجلب لهم ما يكفي من المال لتمويل الرحلة، فجاء اقتراح بإقامة حفلة روك.

وبعد إجراء عدة اتصالات أقيم الحفل بتاريخ 16 أكتوبر1970 في استاد فانكوفر باسيفيك، وقام المغنيون (جوني ميتشل، شيليواكوفيلأوكس، جيمستايلور) بالتبرع بريعها كاملاً لصالح الرحلة.

حقق الحفل نجاحاً باهراً حيث تم بيع جميع التذاكر وحضر 16 ألف متفرج، واستطاع الفريق في نهاية شهر أكتوبر جمع أكثر من 23 ألف دولار معلناً بذلك جاهزية جرينبيس للانطلاق في أولى رحلاتها.

 

   

 

 

رحلة الإبحار..بداية متعثرة ونهاية عالميّة…

في يوم 15 سبتمبر 1971 وعند حلول الظلام أبحرت جرينبيس في أول رحلة لها باتجاه هدفها في جزيرة أمشيتكا "للشهادة"(2) على الاختبار النووي، حيث قام الكابتن جون كورماك (مالك السفينة فيليس كورماك) بقيادتها إلى الجزيرة حاملاً معه مجموعة مكونة من11 شخصاً، شملت أعضاء من الهيئة التأسيسية لجرينبيس بالإضافة إلى مجموعة من الصحفيين، والمختصين وهم:

– جيم بولن                         جرينبيس

– بيل دارنيل                       جرينبيس

– باتريك مور                     جرينبيس

– د. لايل ثورستون               طبيب ممارس

– ديف برمنغهام                   مهندس

– تيري سيمونز                   متخصصة بالجغرافيا الثقافية

– ريتشارد فاينبرغ               مدرس العلوم السياسية

– روبرت هنتر                    صحفي

– بن ميتكالف                      صحفي

– بوب كامينغز                    صحفي

– بوب كيزير                      مصور

 

بدأت الرحلة التي أمل المشاركون فيها بصنع مثال أخلاقي عالٍ يحتذى به، وأن يحاكوا سلوك الكويكرز فيما يفعلون، إلا أن ما حدث في طياتها كان مخيباً للآمال…

فبالرغم من محاولات الفريق المتكررة، إلا أن القارب لم ينجح بالإبحار بهم في الاتجاه المفترض ولا الوصول إلى المكان الذي رغبوا في الانتهاء إليه، الأمر الذي فجر صراعاً قوياً بينهم منذ بداية الرحلة إلى نهايتها، وتبدلت الأوقات التي كان من المفترض أن يستمتعوا بها في تحقيق حلمهم إلى أقوات امتلأت بالصراخ والتصادم والانقسام.

 وفي منتصف الطريق أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون تأخير الاختبار لمدة شهر. الأمر الذي تسبب بمزيد من الجدل حول استمرار الرحلة في طريقها أو عودتها خصوصاً أن معظم أعضاء الرحلة بدأت نقودهم أو أوقات إجازاتهم تنفذ. وباعتراض القوات البحرية الأمريكية طريقهم بمجرد اقترابهم من موقع الاختبار، تحول الوضع إلى كارثة حقيقية!

 

عاد القارب إلى شواطيء فانكوفر، طابعاً في عقول المشاركين فيها صورةً محبطة وإحساساً عالياً بالفشل بسبب تصرفاتهم وسلوكياتهم فيها، إلا أن الوقت أثبت أن الصورة الكبيرة كانت تعكس ما يبدو غير ذلك…

 

لم تنجح الرحلة في تحقيق هدفها المنشود، حيث تم إجراء الاختبار وتفجير القنبلة، إلا أنها تسببت في إلغاء الاختبارات اللاحقة التي كان مخططاً لها، وبعد 5 أشهر قامت الولايات المتحدة بتعليق برنامجها النووي في أمشيتكا بالكامل. كما وتم إعلان جزيرة أمشيتكا محمية للطيور. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الرحلة من تحقيق تصور بوب هنتر بعمل أول "قنبلة عقلية إعلامية"، حيث أثارت اهتمام الشارع العام من خلال انقضاض الإعلام لتغطية خبر المجموعة الصغيرة من الناشطين الذين ذهبوا لمواجهة القنبلة النووية! الأمر الذي أسس لإسم جرين بيس في كندا، وكان بداية لافتتاح سلسلة نجاحات على مر السنين.

 

أصبحت هذه البداية المتعثرة نواة لأكبر حركة عالمية بيئية موجودة الآن على الساحة الدولية، لديها مكاتب بأكثر من 40 دولة ويبلغ عدد أعضاؤها 2.9 مليون من مناطق مختلفة في العالم.

  

رحلة أمشيتكا…ما وراء الكواليس…

في كتابه "جرينبيس إلى أمشيتكا" كشف الصحفي بوب هنترعن بعض ما كان يحدث في كواليس الرحلة… حيث يروي بوب أنهم كفريق اتفقوا منذ البداية على الالتزام بقاعدة أسموها "قاعدة الوحدة" والتي تنص على أن كل عضو منهم يتعهد بالبقاء مع الفريق مهما كانت الظروف، وأن يشاركوا جميعاً في صنع القرار على السفينة. مع ذلك لم ينجحوا بالإبحار في الاتجاه المفترض ولابالوصول إلى المكان المقرر! الأمر الذي تركهم في حيرة كبيرة تفجرت على شكل صراعات وانقسامات بينهم طوال الرحلة.

 لم يتم حل هذا اللغز إلا بعد بعد ثلاثة عقود من تاريخ الرحلة، وذلك عندما أسرّ جيم بولن، رئيس لجنة جرينبيس في ذلك الوقت والمسؤول عن تحرير الشيكات والذي قام باستئجار القارب، أنه كان لديه صفة قانونية تسمح له بأن يعلن نفسه رئيساً للمجموعة التي أبحرت على متن القارب، إلا أنه اختار أن يمارس بعض السيناريوهات لإبقائهم كشباب مندفعين تحت السيطرة! فقام بإيهامهم من خلال قاعدة الوحدة بأن القرارات داخل السفينة ستكون بالإجماع وسيكون لكل فرد حق الفيتو، بينما في الحقيقة كان جيم يعطي قرارات مختلفة لكابتن السفينة بعد ذهاب الجميع للنوم، وبذلك قام بإدارة سفينة الجرينبيس والفعل الاحتجاجي كاملاً من خلال تطبيق الطريقة الهرمية التقليدية في الإدارة.

 

عبّر بوب عن سعادته بما كان جيم قد فعل حينها، وأثنى على حكمته ودهائه لأنه برأيه لولا تلك القرارات لما كانوا على قيد الحياة الآن. كما وقام بوب بنسبة فضل كبير إلى جون كورماك قائد السفينة والذي ساهم أيضاً في تقرير مصيرهم، والذي عمل على الإبحار بقاربه في منطقة اختبار نووي بسبب التراجع الاقتصادي، وبذلك قام بإنقاذ قاربه ومن على متنه.

 

إلا أن بوب يعتقد أن اللحظة المفصلية في الرحلة كانت عندما أعلن بولين في طريق العودة وقبل وصولهم إلى فانكوفر بيوم، أنه سيقوم بإغلاق The Don’t Make A Wave Committee لأنها أُنشأت لتحقيق هدف محدد (وهو الإبحار لوقف الاختبار النووي في أمشيتكا) والذي انتهى بانتهاء الرحلة. إلا أن بوب هنتر سارع جيم بسؤاله: "لماذا إضاعة رأس المال الإعلامي الذي اكتسبناه بمشقة كبيرة؟" واقترح عندها إعادة تشكيل اللجنة لتصبح بدلاً من ذلك "منظمة جرينبيس" وهو ما كان لاحقاً.

   

مؤسّسو جرينبيس…أرواح متّقدة وأثر لا يزول…

هناك طرفة تقول أنك إذا جلست في أي بار في فانكوفر، ممكن أن تجد شخص يجلس بجانبك يدّعي أنه من مؤسسين جرينبيس! فلكل من الإسم، والفكرة، والروح، والتكتيكات مجموعة من الأشخاص الذين ساهموا في تكوينها مما يجعل نسبة الفضل إلى شخص بعينه أمر مستحيل. ولكن تعتبر الحركة أن هناك من برزوا أكثر من غيرهم حيث كان لكل واحد منهم دوره الفعّال وروحه الخاصة التي صبغ بها الفريق ولمسته التي أثرت في مسيرة جرينبيس حتى الآن وهم:

 

بوب هنتر(1941-2005): 

كان بوب هنتر صحفي كندي يحمل في روحه أحلاماً كبيرة وإيماناً بعدم وجود المستحيل، ومنذ اللحظة الأولى من انضمامه للفريق، قام بوب بتقديم أسطورة قبيلة الكري الهندية عن "محاربو قوس قزح" (3) واستطاع أن يجبر كل من حوله بالتفكير بطريقة مختلفة.

بوب كان مبهوراً بنظرية الإعلام، وكان حلمه أن يغير العالم من خلال ما أسماه "قنابل عقلية إعلامية" والتي يعرّفها على أنها "أصوات وصور تغييرية واعية تنتشر حول العالم تحت ستار من الأخبار".

من خلال جمعه ما بين الإبداع والتفكير والاستراتيجية وحسه الصحفي العالي لما يمكن أن يكون قصة جيدة للإعلام، استطاع بوب إشهار ما يعرف باسم "مبادرات جرينبيس" حول العالم. ونجحت منهجيته الإعلامية "القنابل العقلية الإعلامية" في نقل اسم جرينبيس سريعاً ليصبح مألوفاً في وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم.

 

دايفيد ماكتاغارت (1932-2001): 

ولد دايفيد في كندا، إلا أنه كان يعيش في أوروبا عند قراءته لأول مرة لإعلان تم نشره من قبل مجموعة مؤسسة حديثاً اسمها جرين بيس، فقام فوراً بالمبادرة إلى إعادة تسمية قاربه إلى "جرين بيس III" وانطلق مبحراً لمواجهة اختبار فرنسي لقنبلة نووية! قاربه الصغير هذا والذي تحدى به إحدى أعظم القوى العسكرية على وجه الأرض معروف الآن باسم "جرينبيس كلاسيك" Classic Greenpeace”.    

    

 كان من أهم إنجازات دايفيد قدرته على تحويل الروح التأسيسة لجرين بيس إلى منظمة عالمية من خلال تحديد بنية لحركة جرينبيس المتنامية وطرق عمل لها. حيث عمل بعد وقت قصير من انضمامه، إلى حشد دعم جديد في جميع أنحاء أوروبا، وفي عام 1979 قام بصياغةتحالف دولي جديد موحداً بذلكفصائل المنظمة المنفصلة، وولدت"منظمة جرينبيس الدولية". وبحلول عام 1985 كان للمنظمةالتي بدأت الحياة على متن قارب صيد صغير ثلاث سفن وخمسون حملة في جميع أنحاء العالم.

 

دوروثي ستو (1920-2010)  وايرفينغ ستو (1915-1974):

 كان كل من دوروثي وإيرفينغ ستو دعاة ناشطين وملتزمين للسلام مدى حياتهم، الأمر الذي ساعدهما أن يتخذا قراراً سريعاً بخصوص مقترح الإبحار بقارب في منطقة تجارب نووية. وأسهمت خبرتهما الطويلة تلك في مساعدة اللجنة حينها على التخطيط بشكل أفضل لرحلة أمشيتكا.

 

 

أكثر ما كان يميز الزوجان هي روح التسامح التي اتصفا بها والتي وحدت The Don’t Make A Wave Committee، وصبغت أفرادها بروح السلمية الملتزمة.

كان الزوجان يستضيفان اجتماعات اللجنة، وتعلق دوروثي حول ذلك لاحقاً : "من المثير للدهشة ما يمكن لعدد قليل من الناس يجلسون حول طاولة المطبخ أن يحققوا"!!

كان الزوجان من الكويكرز ومن خلال تأثرهم أيضاً بالمثال الذي ضربه غاندي، نجحت العائلة في جلب أفكار أصبحت جزءا أساسياً من الروح التأسيسية لغرينبيس. فكانت تؤمن أن المواطنين الذين يتصرفون بنزاهة وشجاعة يمكن أن يهزموا قوى جبارة. كما قاما بشرح تقليد "الشهادة" للمجموعة، بكونه نوعاً من المقاومة السلبية: "أنت تذهب الى المكان الذي يقام فيه النشاط المعترض عليه لتسجيل اعتراضك من خلال تواجدك". المبدأ الذي أصبح من القيم الأساسية لجرينبيس والذي ما زالت تمارسه حتى يومنا هذا.

 

 

الأشخاص العاديون الذي قد يبدو أنهم غير مهتمين قد ينجحون بإحياء أفكاراً كبيرة…والتجارب القاسية التي من الممكن أن تكون فاتحة لعمل قد يغير وجه العالم وحركة التاريخ…

   

إعداد / رنا محمد

3 يوليو 2012

  المصدر : موقع منظمة جرين بيس العالمية : http://www.greenpeace.org/international/en/

 

الحلفة الأولى

 ———————————————-

 

 

 

(1) الكويكرزم Quakerismهي حركة تأسست في إنجلترا في القرن السابع عشر ميلادي، على يد جورج فوكس. الفكرة الأساسية التي يعتقدون بها أن "هناك شيء من الله في كل واحد منّا"، لكن ليس لديهم تعريف متفق عليه لعبارة "شيء من الله"، إلا أنهم يرمزون إليه بالنور الذي يرشدهم أو الإحساس بما هو جيد أو صحيح. الكويكرز أيضاً معروفين باسم "المجتمع المتدين للأصدقاء" وهناك حوالي 300 ألف "صديق" حول العالم، إلا أن أكبر المجموعات موجودة في بريطانيا، أمريكا الشمالية، كينيا وبوليفيا.

 

 

 

(2) الشهادة هي تقليد للكويكرز للاحتجاج الصامت والتي أصبحت إحدى القيم الأساسية لمنظمة جرينبيس منذ تأسيسها. لقراءة المزيد يمكنك العودة إلى الحلقة الأولى للتعريف بجرينبيس:


جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.