هل يمكن أن يكون هناك احتجاج بلا هتاف ولا صراخ؟ هل يمكن أن يكون هناك احتجاج بملامح وجه مسترخ لا وجه غاضب مشدود القسمات؟! هل يمكن أن يكون الهدوء قوة قادرة على كسب تعاطف الناس مع المحتجين وإرباك الأنظمة القمعية في ذات الوقت؟!
تمكنت مجموعة "فالون جونج" في تايوان من تحويل الهدوء إلى قوة، فأثارت انتباه الكثيرين من المواطنين فضلاً عن الساسة الذين يحتجون بوسائل تعتمد الصوت العالي.
في عام 2009 وفي الدورة الرابعة لمحادثات التجارة الحرة بين الصين وتايوان، كانت هناك احتجاجات لها سمة غريبة تحيط بقاعة الاجتماعات في تايوان، الآلاف يجلسون أرضاً، لا يهتفون، أو يصرخون، فقط يمارسون تمرينات الرياضة الروحية "فالون جونج"، التي تعتمد على التأمل وبعض الحركات البطيئة الهادئة باعتبارها سبيل للاستقامة والسمو الروحي كما يرى أتباعها.
كان الاحتجاج يتسم بالعقلانية والسلمية، والسمة الأهم التي ميزته كانت.. الهدوء. رفع المحتجون شعار "أوقفوا اضطهاد فالون جونج". فالحكومة الصينية حظرت ممارسة هذه الرياضة الروحية بعد احتشاد الآلاف من ممارسيها أمام مقر الحكومة في عام 1999، اعتقل ما يزيد عن ثلاثة آلاف شخص وعُذب بعضهم حتى الموت.
تمكنت قوة الهدوء المفرط من ملامسة أعماق قلوب المارة، وسائقي التاكسيات الذين بدأوا يقدمون الدعم لهم، وأخذت تتردد عبارات من المارة تعرب عن الاندهاش من الفالون جونج. كان من هذه العبارات "استمروا.. أنتم مذهلون". تمكن هدوء المحتجين المفرط من أن يحوز إعجاب المارة، ويثير اندهاشهم. فلا يمكن لمثل هذه المجموعة أن تكون مخربة.. هدوؤها غريب حقاً.
كذلك كانت هناك سيارة لأحد الساسة المحتجين، تستعمل مكبرات الصوت لتعبر عن غضبها، وعندما مرت بموقع محتجي فالون جونج أمر مستخدم مكبرات الصوت السائق بخفض صوت مكبر الصوت قائلاً.. "لا تفسد الاحتجاج السلمي لفالون جونج".
استمرت حركة الاحتجاج الهادئة مع حلول الليل، رغم البرد الشديد، وبدأ البعض يوفر لهم وسائل التدفئة مثل الماء الساخن. ووسائل الإعاشة من طعام وشراب.
بدأ الناس يفكرون .. ما السبب في الاضطهاد الواقع على فالون غونغ في الصين، فهي حركة سلمية وهادئة، لماذا يتم قمعها؟! الكثيرون رأوا تظاهرات، لكنهم لم يروا مثل هذا النوع من الاحتجاج الهاديء من قبل. تمكن أنصار فالون جونج من إجراء حوار مع الجماهير، وزعوا منشورات تشرح قضيتهم، وتدعو الناس للتضامن معهم.
احتجاجات الفالون جونج في مناطق كثيرة من العالم تدعو للتضامن مع الشعب الصيني، يلتزمون برياضتهم الهادئة، ويستخدمون بعض الآلات الموسيقية. لديهم قدرة تحمل عالية، زودتها إياهم حياة التأمل.
الدعوة للاحتجاج الهاديء ليس فقط من إبداع مجموعات الفالون جونج، فقديماً دعا غاندي إلى الخروج للصلاة بشكل جماعي، مفضلاً ذلك على استخدام الدعوة المباشرة للعصيان، فكان يرى أن خروج الملايين للصلاة في نفس الوقت ما هو إلا شكل من أشكال العصيان الذكي.
في كل ثقافة أشكالها المبدعة في التعبير عن الرأي والاحتجاج، والمهتمون بثقافة اللاعنف بإمكانهم أن يطوروا أفكارهم كلما زودوا عقلهم بالمزيد من مخزون التجارب حول العالم، وبإمكانهم أن يجولوا كل قيمة مقبولة لدى الناس إلى عنصر قوة، تصاغ منها تكتيكات ووسائل كاملة، ربما لا يستنسخون التجارب كما هي، لكنها تبقى مصدر إلهام لهم… ثمة وسائل كثيرة لكسب الأنصار والتأييد الشعبي، ولوضع آلة القمع في موقف مربك. مثلما يجري مع أنصار الغضب الهاديء من مجموعات فالون غونغ. أولئك الذين روضوا الغضب وجعلوا من الهدوء مصدر قوة.