الأسد وفنون الهجوم

كم هي مثيرة تلك الأوقات التي يأتيك فيها نبأ استعداد الأسد لتناول إفطاره، حيث تبدأ آلات التصوير تشحذ هممها، لتلتقط مشاهد نادرة لملك الغابة وهو يُحضر فطوره، ثم يلتهمه بنهم. قد يكون الفطور غزالاً أو جاموساً وحشياً أو حماراً وحشياً. 

كنا على أهبة الاستعداد.. ننتظر إفطاراً في الحضرة الملكية.. رأينا الأسد يقترب من الغزال، بدأت الأنفاس تحتبس لالتقاط المشاهد التاريخية، غير أن الأسد سخر منا. مشى بجوار قطعان الغزلان دون أن يهاجمهم.. بدأنا نتساءل؟! هل أراد أن يثبت لنا أن قانون الغاب أرحم من قانون البشر؟! فالأسد لن يهين الغزال أمام غريب؟! أهذا هو الأسد؟! يرى الغزال ولا يهاجمه؟ بل ويسير على مقربة منه في كبرياء دون أية محاولة للعدو. أو حتى إطلاق زئير؟!

علمنا لاحقاً أن الأسد ينشط  أكثر للصيد ليلاً في الظلام وقبل الشروق. ياللسمعة السيئة، أين الجرأة والشجاعة إذن.. أيتحرك الأسد في الظلام؟! ياله من ملك تعيس!! ربما هو ملك الغابة في أذهاننا نحن، أما الحيوانات فيبدو أنها لم تقر له بذلك بعد.

عدنا بخفي حنين، التقطنا بضع لقطات له في مشهد مهين له كأسد، وهو يتبتخر دون أن يجري وراء غزال واحد. بدأ يقترب منا، تساءلت.. هل يعقل أن نكون نحن وجبة إفطاره اليوم؟! هل يرانا نشبه الحمار الوحشي إلى هذا الحد.؟! لكنه تجاهلنا أيضاً ولم يفكر حتى في إرهابنا باستعراض أنيابه. مشى أمامنا في كبرياء. تتبعناه حتى وصل إلى أشباله، يعلمهم الصيد، يلقنهم بعض الدروس حول تكتيكات الهجوم، لا أدري لماذا شعرت أنه يوجه هذه الدروس لنا نحن.. كانت الطريقة التي يلقي بها دروسه وكلماته توحي بذلك:

أجد فن الاختباء والظهور: واعلم متى تختبيء ومتى تظهر، فالأسد يختبيء حتى يقترب من فريسته، ولا يقلل من كونه ملك الغابة أنه يختبيء بين حشائش السافانا، ثم يعلن الظهور في مفاجأة للجميع. بل وينشط ليلاً خاصة مع غياب ضوء القمر. (1) بوسع الأسد أن يزأر طول المدة، ليعلن عن الهيبة والوجود، لكنه حتماً لن يفز بأي صيد، وسيقتله زئيره جوعاً. متى تتحدث ومتى تصمت، متى تصرخ ومتى تبتلع غيظك.. كلها تكتيكات تعمل في تناغم، ولا يقوى عليها إلا أسد.

احتفظ بكامل قوتك: وحدد توقيت الهجوم بعناية، خاصة وإن كانت قواك لا تتحمل الهجوم الطويل. فالأسد يحمل قلباً ضعيفاً لا يتحمل العدو لمسافات (2)، وهو عادة ما يطارد حيوانات أسرع منه، لذلك لا يبدأ العدو إلا على مسافة قريبة من فريسته. أحياناً يكون من الأفضل ألا تنهك قواك بعدو وقفز لا طائل منه، تظن أنك تقترب من الهدف ولكنك تبتعد عنه وإن كنت تسرع الخطى نحوه. فلحظة اقترابك من الهدف ستكون قوتك قد خارت فلا تتمكن منه، ولحظة قطف الثمرة تكون عضلات يدك منهكة. احتفظ بكامل قوتك وحدد متى يبدأ العَدْو، ومتى تستنفذ الطاقة. صمم أسلوبك بناء على معرفتك بنفسك ومجموعتك.

الهجوم الخاطف: الذي يقوم على السرعة وقصر المدة أقرب لتحقيق المكاسب مع أقل الخسائر. فطول المدة كما ينهك الخصم فإنه أيضاً ينهكك، ويبدد مواردك. والأسد لا يتمكن من الحفاظ على سرعته إلا لفترة قصيرة. لذلك يعتمد على الاقتراب والمفاجأة. (3)

اجعل الهدف يبحث عنك: من خلال اختيار المواقع السليمة، فالأسود لن تضطر إلى البحث عن الغزلان، حين تختبيء بالقرب من المياه التي تقصدها الغزلان. حينها ستجد الغزلان هي التي تبحث عن الأسود، أو بالأحرى عن المياه. اصنع هذه البحيرة. وستأتيك الغزلان طوعاً. حقق هدفك من خلال تلبية حاجة خصمك. حب ظهور.. وجاهة.. انتصار وهمي.. الخ.

أشعر خصمك بالأمان: ولا ترفع درجة حساسيته ضدك، فتحفزه يفقدك عنصر المفاجأة، ويجعله مستعداً للدفاع أو الفرار أو الهجوم الاستباقي. فقطعان الغزلان بمجرد أن ترى مجموعة الأسود تقترب من مكانها تصبح وجلة ومستعدة للجري في أي لحظة.

أنهك خصمك: من خلال الاقتراب منه من أكثر من جهة، حتى تضعف قواه وتتشتت. تلجأ الأسود إلى ذلك عندما تهاجم طريدة أكبر منها مثل الجاموس الوحشي. تحاصرها من كل جانب وتناوشها حتى تخور قواها.(4) وأحياناً تتبع الأسود قطعان الجاموس لمسافات طويلة دون أن تنقض على واحدة منها، هادفة من وراء ذلك إلى إنهاكها وإرباكها وقذف الذعر فيها. وهو ما يؤدي بعد فترة إلى تشتت القطيع، مما يتيح للأسود اختيار واحدة منها لاحقاً لتنقض عليها. (5)

جمد نفسك: كن كالتمثال وأتقن الثبات ولا تتحرك، ثم هاجم حين ينشغل خصمك عنك، فالأسود تنقض على طريدتها حين تجدها لا تنظر إليها، أو تضع رأسها في الأرض بحثاً عن طعام. (6) حركتك المستمرة قد تبعدك عن هدفك وتبعد هدفك عنك.

لا تمسك الثور من قرنيه: ولا تدخل معه في مواجهة مباشرة من المقدمة، فقرن الثور يدمي. اعتمد على الاقتراب غير المباشر، ولا تهاجم خصمك في نقاط قوته. إن كان القرن أداته للمواجهة من الأمام، فواجهه من الخلف، حينها لن يضرك ألف قرن، لذلك تلجأ مجموعة الأسود إلى الالتفاف حول الثور ومهاجمته من المؤخرة والإمساك بعموده الفقري. (7)

لا تدمر أسلحة خصمك: ولكن اجعله في وضعية لا تمكنه من استخدامها، حتى وإن كانت في يده. هذا ما يفعله الأسد حين يواجه الجاموس الوحشي من مؤخرته، ثم يقترب جداً من رأسه ممسكاً بها، فلا يمكنه من استخدام قرونه. فحركة قرون الثور حتى تكون فعالة تحتاج إلى مسافة من الحركة الحرة. يحول الأسد دون وجود هذه المسافة بالتصاقه برأس الثور. لا يفكر الأسد في خلع قرون الثور، يكفيه الاقتراب إلى مسافة لا تمكن الثور من استخدام قرنيه. (8) ربما هذا ما يصيب الثور بهزيمة نفسية. سلاحه بيده، لكنه غير قابل للاستخدام.

وائل عادل

أحمد عادل عبد الحكيم

9/3/2012