الثلاثاء, 18 أكتوبر 2016
تكتيكات الحيوانات

الأسد ومجموعات العمل

قسم: تكتيكات الحيوانات
أضيف بتاريخ: 18 أكتوبر 2016

عادة ما نشبه الإنسان الشجاع بالأسد، لأنه مقدام جسور لا يهاب. لكن الأسد لا يُعَبَّر عنه في البراري بصيغة المفرد "الأسد". وفي الغالب إن ظهر أسد فهذا يعني أن ثمة أسود أخرى ترافقه. هذا ما اكتشفناه حين قال لنا مرشدنا.. الأسد هناك، مشيراً بعيداً إلى حيوان يتحرك خلف حشائش السافانا. لكننا ما إن أمسكنا المنظار المكبر، وبدأنا نحدق النظر فيه؛ حتى وجدنا الأسد يتقدمه أسد ثان، ثم ثالث ثم رابع.. الخ. وبدأنا نتسابق في عدهم.

تعيش الأسود في مجموعات. بل وتعتمد قوتها على المجموعة وتنظيمها المحكم. ومن هنا نكتشف سر براعتها في الصيد، فهي لا تتحرك كأفراد إلا إن كانت الفريسة صغيرة. هي تعمل من خلال فرق عمل. ويبلغ عدد المجموعة الواحدة نحو ثمانية عشرة أسداً تزيد أو تقل. (1) 

ومراقبة الأسود تدعو للتأمل في طريقة تنظيمها لنفسها، فهي حريصة جداً على التنظيم في مجموعات، ولكن وفق شروط وضوابط وآلية فريدة. فقوتها لا تعود إلى التنظيم فحسب، بل إلى قدرتها كذلك على الانفصال والانشقاق.. هما تكتيكان تبرع فيهما على السواء!! قوة التنظيم وبراعة الانفصال!!

تعلمنا من الأسود الكثير من الدروس حول فن بناء مجموعات العمل، وأنصتنا إليها في انبهار، وهي تتلو دروسها الرائعة:  

اعتمد مجموعات العمل: نظم حركتك في مجموعات عمل صغيرة متجانسة، تَشَبَّه بعالم الأسود، فمجموعات العمل هي وحدة بناء عالم الأسود.

ابدأ بالعلاقات الطبيعية: إن أردت تكوين مجموعة عمل فعالة، فابدأ بمجموعتك المقربة التي تربطك بهم علاقات طبيعية وتعرفهم جيداً. قد يكونون جيرانك، أو عائلتك، أو أصدقاءك في العمل. فالأسود تتحرك في مجموعات. تتكون المجموعة الواحدة من أفراد تربطهم علاقة قوية، أمهات، وأخوات، وخالات، وأشبال .. الخ. (2) وانضمام عضو جديد إلى المجموعة المرتبطة عائلياً والمتجانسة ليس أمراً سهلاً. هذه المجموعات التي تجمعها صلات طبيعية، تكتسب قوة التواصل من مبرر التواصل الطبيعي بينها، وتكتسب قوة انطلاقها من تجانسها الطبيعي غير المصطنع. 

وزع المهام: اجعل لكل فرد في مجموعتك دوراً. فمن الأسود من يحمي المجموعة، ومنها من يهاجم، ومنها من يطارد الفريسة، ومنها من ينقض على الطريدة الهاربة من المطاردة، ومنها من  يحمي الصغار. وهكذا تتعدد الأدوار، وكلها تكتسب قدراً بالغاً من الأهمية. وقد يختلف الدور بحسب الهدف، بعض الأسود تكون في القيادة حين تطارد خنزيراً، بينما تلعب دوراً سلبياً في حالة أن الهدف هو الجاموس الوحشي. (3) الأسود تعتمد الكفاءة في توزيع المهام، ولا تسمح بالمجاملات التي تضيع الفريسة.

اعتمد مجموعات العمل المتخصصة: كل مجموعة لها دور لا تتعداه لكنها تتقنه. مجموعة تطارد الفريسة، وأخرى تنقض عليها، ثم يتشارك الجميع في الغذاء لاحقاً. هذا التخصص في الأدوار هو ما يعطي ميزة فريدة لدى الأسود في عمليات صيد الحيوانات الكبيرة، حيث تكتسب قوة تنظيمية رائعة.(4) لذلك ابن المجموعة المتخصصة، وأدرك أهمية دورك في إطار عمل المجموعة، سواء كان هذا الدور سيضعك في مقدمة الصفوف أو في الخطوط الخلفية.

قدِّر الخبرات: واعرف قدراتك وقدرات كل شخص في فريقك، وانتقِ لكل مهمة الأنسب لها، واجعل الهدف هو تحقيق النجاح، لا أن تظهر في مكان لست أهلاً له. فذكر الأسد لا يصيد مثل الإناث، لأن إناث الأسود أرشق وأسرع. وعند الهجوم تتوزع المجموعة بين الأطراف والمركز، من على الأطراف هم الأرشق والأسرع وأصحاب القدرة على المطاردة، أما الأكبر والأثقل فيكونون في المركز.(5)  بينما يتقدم الذكور ويتصدرون المشهد عند الدفاع عن المجموعة، وتتراجع الصائدات البارعات ليفسحن لهم المجال ليقوموا بدورهم.

picsاهتم بفن الاستراحة: وتعلم كيف تريح من بذل جهداً في مجموعتك وتقلل من احتياجك للموارد. هذا ما تفعله إناث الأسود. فالمجموعة التي تصطاد تستريح لأيام، وتعمل في حراسة الأشبال، بينما تتقدم مجموعة أخرى للصيد. وهكذا يتم تبادل الأدوار. هذه الراحة تقلل حاجة الأسود للغذاء ومن ثم تقلل الموارد المطلوبة للحياة، فالجميع لم يبذل نفس المجهود، وبالتالي ليس الكل في حاجة للطعام بنفس الدرجة.(6) يبدو أن عبقرية الهجوم لدى الأسود مرتبطة بعبقرية الاستراحة.

قَـنِّـن الانفصال والانشقاق: فبه تحفظ قوة المجموعة وكفاءتها، فالمجموعة إن استمرت في التوسع أصبحت في حاجة إلى موارد أكبر، وظهرت مشاكل تحديد الأدوار وتفشت البطالة. درب المجموعات على مهارة الانشقاق والانفصال البَنَّاء إن وجد البعض في ذلك خيراً للمجتمع. فمجموعات الأسود لا تتضخم، وإنما تخرج مجموعة جديدة من كل مجموعة قديمة، أو ينشق البعض محاولاً الانضمام لمجموعات أخرى.(7) الأسود تطرد أشبالها من المجموعة بعد فترة، ولا تمن عليها بالرعاية والتعليم، أو تعتبر أولئك البالغين الجدد مارقين، لأنها تعلم أن انفصالهم أفضل للمجموعة الأم، وأبقى لمملكة الأسود.

 

وائل عادل

أحمد عادل عبد الحكيم

 6/3/2012

 


(1) Dr Gus Mills. "About lions—Ecology and behaviour". African Lion Working Group. Retrieved 20 July 2007.

(2)Dr Gus Mills. "About lions—Ecology and behaviour". African Lion Working Group. Retrieved 20 July 2007.

(3) Nowell, Kristin; Jackson, Peter (1996). Wild Cats: Status Survey and Conservation Action Plan. Gland, Switzerland: IUCN/SSC Cat Specialist Group.p17

(4) Nowell, Kristin; Jackson, Peter (1996). Wild Cats: Status Survey and Conservation Action Plan. Gland, Switzerland: IUCN/SSC Cat Specialist Group. p 18

(5) Nowell, Kristin; Jackson, Peter (1996). Wild Cats: Status Survey and Conservation Action Plan. Gland, Switzerland: IUCN/SSC Cat Specialist Group. p17

(6) Nowell, Kristin; Jackson, Peter (1996). Wild Cats: Status Survey and Conservation Action Plan. Gland, Switzerland: IUCN/SSC Cat Specialist Group. p 18

(7) Dr Gus Mills. "About lions—Ecology and behaviour". African Lion Working Group. Retrieved 20 July 2007. 


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.