الأحد, 26 فبراير 2012
تكتيكات الحيوانات

الأسد.. ليس مجرد زئير

قسم: تكتيكات الحيوانات
أضيف بتاريخ: 26 فبراير 2012

مشهور بملك الغابة، وإن أراد أحد من البشر أن يوصف بالشجاعة؛ ينتشي إن قيل له أنت أسد. كان لنا لقاء معه في موطنه. سافرنا له في زيارة خاصة، لنرى حياته عن قرب. نستمتع بتأمل شجاعته آملين أن تصيبنا عدواها، ونسمع زئيره بخشوع، لعلنا نتمثله في كفاحنا.

لكننا فوجئنا أن الأسد ليس فقط هذا الكائن الشجاع صاحب الزئير المرعب. فهو لم يكتسب مكانته في الغابة لمجرد الجرأة والصوت العالي. كما لا يعتمد فقط على شجاعته في إدارة حياته. لكنه مزود بقدرات تكتيكية بارعة تمكنه من تحقيق أهدافه وتجاوز المخاطر، وربما كانت هذه القدرات سر شجاعته، فهو يثق في امتلاكه أدوات الدفاع والهجوم. وقد أشار إلى ذلك في أكثر من مناسبة.w,vm

إن كنت تريد أن تكون مثل الأسد فادرسه جيداً، ولا تنظر إلى المشهد الأخير فقط حين ينقض على فريسته، هذا مشهد خادع إن ظننت أنه سر تميزه، هناك مشاهد أخرى أهم، تسبق هذا المشهد الدرامي الختامي.

دراسة الأسد تنبئنا كيف يعرف حدود قدراته، ويدرك نقاط ضعفه، فلا يهاجم إلا على مقربة من الطريدة، ويتجنب المعارك أحياناً ويكتفي بخطة دفاعية، وكيف لا يواجه فريسته من المقدمة إن كانت أقوى منه وبإمكانها أن تؤذيه، متى يختبيء ومتى يعلن عن وجوده، وكيف ينظم نفسه عبر مجموعات عمل مترابطة، وكيف يزأر ومتى يهاجم.

التنظيم.. الاختباء.. الظهور.. الزئير.. الدفاع.. الهجوم.. الإحجام.. هذا هو الأسد، فهو خليط من كل ذلك. وليس مجرد جرأة في الهجوم وقدرة على الزئير. يكفي أن تعلم أن الأسد يقضي نحو عشرين ساعة من يومه في راحة وخمول!! (1)

ورغم خموله لقَّبَه الإنسان بملك الغابة. فخموله الطويل يجعل لحركته معنى.. فإن تحرك تأثر الجميع بحركته. وهذا ما حدث معنا. فقد جاءتنا إشارة لاسلكية أن الأسد بدأ حركته هناك في مكان بعيد.. فقفزنا في السيارة المكشوفة، وجهزنا آلات التصوير، لنبدأ رحلة البحث عنه.

انطلقنا في البراري، كان السائق ماهراً يقطع المسافات دون أن يلتفت، فهو يعرف موقع الأسد جيداً، ويعلم تحت أي شجرة يستظل.

وصلنا إلى الشجرة، وما إن وجدناه حتى صمتت الألسن وتسمرت الأعين. اقتربنا منه في أدب بالغ كأننا في حضرة عالم جليل أو ولي صالح. كان على أهبة الاستعداد.. لا .. ليس لافتراسنا، وإنما ليبدأ دروسه.

 

وائل عادل   

 26/2/2012

 

—–

(1)Schaller, George B. (1972). The Serengeti lion: A study of predator-prey relations. Chicago: University of Chicago Press, p. 122.


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.