قسم: مقالات المجتمع القوي
أضيف بتاريخ: 20 سبتمبر 2016
ماذا سيحدث لك لو تفاجأت أن لديك أصبعاً سادساً في قدمك لم تكن انتبهت له من قبل؟! أو اكتشفت عيناً ثالثة لك في مؤخرة رأسك يكسوها الشعر، فكنت تتوهم أنك لا تتمكن من رؤية ما هو خلفك؟! هل ستفكر في استثمار تلك الاكتشافات باعتبارها جزءاً منك؟! أم ستلفظها مصراً على إطالة شعرك، وبتر أصبعك؟!
نحن نعيش في مجتمعات نتوهم أننا نعرفها، وكل يوم نكتشف فيها جديداً، إلا أن ما نكتشفه ولا يروقنا نسرع إلى التبرؤ منه، قبل أن نحاول فهمه واستثماره كجزء منا تجب رعايته لا استئصاله.
مجتمعاتنا ليست هي الواقع الذي نراه، هي خيال لم يتحقق بعد، وما نتعامل معه ليس سوى قصاصات وأجزاء لبقايا مجتمع قديم، أو بذور مجتمع ناشيء.
المجتمعات الجديدة تصمم تصميماً من وحي الخيال، فأنا أؤمن بأن مجتمعي قوي قادر على تقديم نموذج يبهر العالم في كل مجال، إلا أن ما هو مكتشف من هذا المجتمع في الواقع لا يزال محدوداً جداً، وسأسعى بفرشاة ألواني ولوحتي أن أصمم هذا المجتمع.
يجب أن نبذل جهداً في تصميم مجتمعاتنا التي نريد، ورسمها في صورة زاهية في مخيلتنا، وهي مجتمعات أبعد ما تكون عن الواقع، نحن لسنا مصورين ولكننا رسامون، لا نلتقط لقطات للواقع بل نبدع شكل المستقبل، لنرسم لوحة لم نرها بعد، وهذا يتطلب خيالاً خصباً.
مجتمعاتنا تلح علينا أن نعيد اكتشافها، فالمجتمع موجود وغير موجود، موجود من حيث وجود مكوناته من مؤسسات وحركات وهيئات وأفراد ومجموعات، لكنها متناثرة لا ترقى لأن يطلق عليها "مجتمع"، تماماً مثلما أن العجلات والكراسي والمرايا والأبواب منفصلة لا يطلق عليها "سيارة".
علينا أن نفتش عن مكونات المجتمع داخله، وأن نعيد تشكيله ليتحول من مكونات متناثرة إلى بناء قوي شامخ، يرهبه كل ديكتاتور، ويعتز بالانتساب إليه كل عادل.
وعندما نفتش في المجتمع عن مكوناته المتناثرة، سنكتشف كل يوم مكوناً لم نكن رأيناه من قبل، سواء كان قوى سياسية أو اجتماعية أو كوادر فكرية لم تظهر على الساحة من قبل، أحياناً يزعجنا هذا المكون الجديد إن كان صوته عالياً، ولا يتحرك بطريقتنا، فلا نحسن التحاور معه، لكننا إن فكرنا سنجد لذلك المكون دوراً وظيفياً في المجتمع، ربما يكون هو مكبر الصوت الذي ينذر بالخطر إن اقترب.
قد تظهر في المجتمع مكونات ننكر تصرفاتها، لكن قبل أن نفعل ذلك علينا أن نفهمها جيداً، وقبل أن نلفظها علينا أن نبذل جهداً أكبر في معرفة مكانها المناسب من المجتمع. فلعلها أحد عناصر قوته التي لا ندركها، ويوم أن نحسن رسم الصورة في الخيال، سنجد لكل مكون مكاناً، وسنفرح بكل اكتشاف جديد.
المجتمع هو عقل يفكر، وعين تمتلك رؤية فتبصر، وعضلات قادرة على البناء والبطش معاً، وقلب ينبض بالفتوة ويتحلى بالرحمة والشجاعة. والمجتمع القوي هو الذي تجده بكامل صحته، عقل سديد يمثله مفكروه ومراكز البحث فيه، وعين مبصرة تجسدها القيادات العبقرية، وعضلات قادرة على البناء والبطش تمثلها قوى وحركات ومؤسسات المجتمع، وقلب يوجهه إلى أفضل القيم، رحيم بالشعب، شديد على أعدائه. وفوق كل ذلك زي أنيق يجعل كل الممارسات مبهرة، ورائحة عطرة تعكس المظهر الراقي، فهو مجتمع حضاري يقدم النموذج.
والتغيير يهدف إلى بناء المجتمع القوي، وهو لا يبنيه دفعة واحدة، بل على دفعات بقدر تمكنه من تجميع مكوناته، فقد يبدو المجتمع في البدايات "أكتع" ذابل العضلات لا يحرك ساكناً، أو موفور العضلات ضامر العقل فيبدو بطشه كبير، وقد يكون المجتمع أعمى لا يمتلك رؤية يبصر بها طريقه، هذا لا يعني أنها عاهة مستديمة، وقد يكون المجتمع بلا عقل يرشده، هذا لا يعني أنه سيحترف الجنون مكتفياً بارتداء القمصان البيض بالمقلوب، وترديد شعارات مضحكة.
مجتمعاتنا فيها الداء والدواء معاً، واستكمال بناء مجتمع يتطلب قدرة على التخيل.. قدرة على تجاوز شكل الواقع واعتباره مرحلة طبيعية في مجتمع ليس متوازن البنية بعد. فبعض المجتمعات تتضخم عقولها فتنهمك في التنظير دون تطبيق، لأنها لم تكتشف عضلاتها بعد، وبعض المجتمعات تغرها عضلاتها ولا ترى بأساً في غياب عقلها. والمجتمع القوي هو الذي سيتمكن من استكمال هيئته كأفضل ما يكون.
عندما ننجح في رسم صورة للمجتمع في مخيلتنا فقد بدأنا وضع أيدينا على الطريق، وعندما نكتشف مكوناً جديداً سنسعد به بدلاً من أن نفزع منه، شريطة أن نعرف موقعه الصحيح، فهناك مجتمعات اكتشفت عقولها ثم وضعتها تحت أقدامها، وأخرى راعها منظر أظافرها ولم تدرك وظيفتها، فقلمتها وأصبحت مستأنسة، وأخرى أزكمتها رائحة المياه في فمها، فجففت كل مصدر للماء، ونسيت أنها يوماً ما قد تضطر للبصق في وجه أعدائها!!
وائل عادل
11/9/2011