قسم: سلسلة الخديعة
أضيف بتاريخ: 21 نوفمبر 2010
لقد لمست ذلك بيدي.. ورأيته بعيني يتكرر كثيراً.. رأيت الوسائل تخدع وتخدع، رأيتها تسعى للسيطرة علينا، بعد أن وهبنا لها الروح، وسقيناها من أفكارنا، لطالما سمعتها تقنعنا أن مستقبلنا مرهون بها.. هي وحدها.. فهي مثل أغلبنا .. تتهيب الموت.. وتخشى الحساب!!
نعم الوسائل التي نصنعها لتطور حياتنا تحاول إقناعنا دائماً أنها طوق النجاة، وإذا نجحت مرة تحاول أن تقيم علينا الحجة قائلة بخبث.. انظروا .. لقد نجحت.. هيا استعملوني مجدداً.. لسان حالها .. لا تتركوني أموت.. وهي بذلك تنصب لنا الفخ لتجندلنا، فنجاح وسيلة مرة لا يعني نجاحها في كل مرة، خاصة لو انتبه الخصوم لها.
كذلك إن جُربت في بلد ونجحت، تأتي إليك في خبث، قائلة لك لم لا تستعملني في بلدك، ألم تر إنجازاتي؟! حينها انتبه فما ينبت في التربة الاستوائية قد لا يصلح للتربة الباردة، والوسائل لا تُستنسخ وإنما يستفاد منها، وستعتمد في النهاية على الصناعة المحلية.
والوسيلة قد تكون تقنية أو تكتيكاً، أي أسلوباً في العمل ينقل المجتمعات نقلة كبرى، وقد تكون شخصية رائدة تبث الأمل وتقدم النموذج الناجح وتحشد الطاقات، ويلتبس علينا الأمر عندما تكون الوسيلة شخصية رائدة، حيث أننا ننسى أنها في النهاية وسيلة، فنتعامل معها بدقة شديدة مخافة أن تنكسر، ونغفر لها ما لا نفغره لسواها من أصناف الوسائل، هذا التمييز في التعامل مع الوسائل من الفخاخ الدقيقة التي تنصبها لنا الوسائل، حين تتلبس في صورة إنسان، فعندما يكون الشخص هو ذاته الوسيلة تكون قابليتنا للخديعة أكبر، تزداد العاطفة تجاهها وتعمى الأبصار، خاصة حين يتوفر رصيد تاريخي من الإنجازات الذي يجعل البعض مستعداً لأن يغفر أي قصور لاحق، رغم أنه لن يغفر لمدفع لا يعمل في الحرب حتى ولو كان أداؤه بارعاً سابقاً، فإما أن يتم إصلاحه أو يُرمى بعيداً. الشخصيات الفعالة ليست سوى وسائل لتثبيت الأفكار في الوجود، ويجب أن تكون الأفكار أحب إلينا من الوسائل، فهل نخون فكرة لصالح وسيلة كنا نعتمد عليها أو كان لها فضل علينا؟!
أياً كان جنس الوسيلة، لا للتمييز.. فهي أداة نتحكم فيها، ولا ينبغي بحال أن تتحكم فينا. وعلينا أن نفطن إلى خداعها المتلون، وكلما انتقلت الوسيلة (كجنس) من عالم الأشياء إلى عالم الأشخاص كلما وجب الحذر، فالقلم شيء يسهل أن تتخلى عنه إن وجدت وسيلة أفضل للكتابة، أما الأشخاص الأفذاذ الذين هم وسائل انتشار وتفعيل الأفكار فيأسروننا، ربما لأن طبيعتهم من طبيعتنا، ولأننا لا نتخيلهم كأدوات، يرتبط البعض بهم لذاتهم لا لوظيفتهم. فكيف إن كان لمثل تلك الوسائل البشرية تاريخ مشرف؟! حينها تتسلل الخديعة إلينا من مدخل نجاح الوسيلة التاريخي وأياديها البيضاء علينا.
والوسائل التي كان لها تاريخ مشرف يجب أن نحفظ لها هذا التاريخ، ونمتن لها به، لكننا أيضاً يجب أن نحول بينها وبين تدمير مستقبلنا إن تنكبت الطريق، فهي لم تكن عظيمة لذاتها وإنما لما قدمته من مبادرات وإنجازات، ويوم أن تنقلب علينا سننقلب عليها، ويوم أن تنال منا سننال منها، ولن نسمح لها أن تصرعنا.
عندما ينظر إليك أحد المتعصبين للوسائل قائلاً.. "انظر إلى تاريخها. هل تريد أن تمسحه هكذا دفعة واحدة"، قل له .. "هون عليك".. هل من أجل الحفاظ على التاريخ أتركها تعبث مدمرة الحاضر والمستقبل؟ حقها التاريخي محفوظ، ومن ذا الذي يقدر على مسح التاريخ؟! فقد سطرت أجمل الحروف قديماً، لكننا لا نريد لتلك الوسيلة أن تسطر أي شيء جديد، لأنها أصبحت خربة، وحبرها يلطخ الورقة ويبهت على تاريخها في الصفحات السابقة. هي التي تريد محو تاريخها. وحفاظاً عليها وعلى تاريخها يجب أن أوقف طغيانها".
سواء كانت الوسيلة التاريخية المتمردة آلة أو تكتيكاً أو شخصاً، فإننا لا نصادر تاريخها ولكننا نكبح حاضرها، ولو أدى الأمر للتخلص منها تماماً سنفعل، نعترف لها بالجميل السابق، ونوخزها بطعنة رحيمة في القلب قائلين لها.. نشكرك .. الآن انتهى دورك.. والموت علينا حق. أما الحساب .. فلا تتهيبيه، لن ترى الأجيال سوى صفحتك البيضاء، لأننا لم نسمح لك بكتابة المزيد.
وائل عادل
21/11/2010