الأحد, 28 أغسطس 2016
مفاهيم الثورة والتغيير

جيلنا والفرصة الأخيرة

قسم: مفاهيم الثورة والتغيير
أضيف بتاريخ: 28 أغسطس 2016

قبل عشر سنوات كتبت أن الواقع الذي وجدناه لسنا نحن من صنعه، ويكفينا أننا كجيل جديد نحاول تغييره. كنت أكتب بروح زائر للكوكب يصف واقعاً صنعه الأجداد، وأتوقع أن كثيرين من هذا الجيل كانوا مثلي، ينتقدون ما أوصلنا إليه الأجداد ولا يشعرون بمسؤولية تُذكر تجاه ما حدث، كنا بريئين تماماً من ذلك الواقع بالفعل لحداثة أعمارنا. فقد وُلدنا لنجد هذا الواقع يحيط بنا، ولم تكن لنا أي يد في صناعته. كان ما يشغلنا هو كيف نوجد مساراً للخلاص ونصنع واقعاً مختلفاً.

مرت السنوات واندلعت أحداث عظيمة. ثورات هنا وهناك. رؤوس أنظمة تتهاوى في زمن قياسي. بدأ جيلنا يفخر أنه من أطلق النداء وأعلن التحدي. واستمرت النجاحات النسبية في البدايات، ثم كانت الانتكاسات.. بما كسبت أيدينا وبما ضاقت عقولنا وتوحشت نفوسنا.

كنت قبل الثورات أتحدث عن سلسلة قرارات الأجداد التي شكلت واقعنا، أما واقع اليوم فلجيلنا أثر كبير في تشكيله، كل فرد اتخذ قراراً صغر أو كبر ساهم في تشكيل هذا الواقع المعاصر. ولن يفيدنا القول أن السبب فيما وصلنا إليه هم الأجداد مجدداً، لأنهم من حرفوا المسار. فمنذ أطلق هذا الجيل النداء لم يبق له عذر للصمت عن جهالة قيادة، أو التبرير لها دون برهان، أو الانقياد لها دون رؤية. لقد أصبحنا مشاركين أساسيين في صناعة ما آلت إليه الأمور.

هناك مجموعات بالتأكيد لم تخضع، وبذلت جهدها لتنجح التجربة، لكننا في النهاية أمام نتيجة لا تخطئها العين. وإن كان الأجداد يتحملون المسؤولية حصرياً لواقعنا قبل عشر سنوات، فنحن نتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية واقع اليوم.

لا أعرف إن كان ما سنتركه للأجيال القادمة خيراً مما تركه لنا أجدادنا، فذلك يتوقف على خياراتنا القادمة، وقدرة هذا الجيل على الخروج من دوامة التلاوم، والتعافي من أوجاع التجربة، والمراجعة الصادقة، وإبداع مسار فعال.

لا أتحدث عن أصحاب الأوجاع ومن دفعوا التكلفة بشكل مباشر وأقول لهم هيا انهضوا وأكملوا ما بدأتم، فهؤلاء كانوا الوقود المباشر للتجربة وضحايا أخطائها، ومنهم من تحمل ما لا يطيقه أحد. لكنني أتحدث إلى مجموعات من بقايا الجيل، نجت من لهيب المعركة أو لملمت جراحها سريعاً، وما زالت تحتفظ بتوازنها النفسي ومتمسكة بحلمها، ولديها العزم على المساهمة في عملية التصحيح وتصويب المسار. هم آخر قلاع هذا الجيل وما يمكن أن يقدمه فيما تبقى له من عمر قبل أن يتحول إلى العدو اللدود للجيل القادم.

جيلنا اليوم أمام مفترق طرق، فعلينا مسؤولية تحسين الواقع كأجداد قادمين، إما أن تحل علينا الصلوات أو اللعنات. أما إن بقي حالنا كما هو، فأوجه حديثي للجيل القادم، وأقتبس له ما كتبته قبل نحو عشر سنوات في مقال "غداً تعلن النتيجة"، كانت وصية مودع إلى الجيل الجديد إن باءت محاولتنا بالفشل: "أبدعوا أشكالاً جديدة، وغيروا نمط تفكيركم حتى تصلوا إلى معادلة الفعل الصحيحة في ساحة التحول الحضاري، ولا تشتركوا في بقايا معاركنا، فإننا في الرمق الأخير"..

 

وائل عادل

14-08-2016

مدونات الجزيرة


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.