الأربعاء, 11 مارس 2015
آفات العقل الثوري

الموجة عالية يا غالية

قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 11 مارس 2015

هل رأيت أناساً كلما سألتهم ماذا نفعل؟ أخبروك… “الموجة عالية”؟! هل وجدت هذا الأمر يتكرر في أوساط متعددة ممن لهم سابقة مشاركة في التغيير؟! انتبه.. أنت لست أمام إعلان تلفزيوني عن أدوات غطس.. أنت أمام واحد من أكثر المشاهد كرتونية في تاريخ الثورات، وفي هذا المشهد المتكرر يظن بعض الطيبين أن “الموجة عالية” هي الإجابة الحكيمة والسريعة على سؤال.. ماذا نفعل؟! أو بالأحرى.. لماذا لا نفعل؟!

“الموجة عالية”.. خلاصة فكرتها دعونا لا ندخل في الأحداث لأن “الموجة عالية”. فالأحداث أقوى منا، وليس من الحكمة ركوب البحر وقت الأعاصير. فهذه تهلكة محققة.

ولهذا القول وجاهة، ولا يخلو من منطق، فقيادات عظيمة على مدار التاريخ تجنبت معارك لتربح أخرى. والفَطِن يعرف متى يدخل المعارك ومتى ينسحب منها. لكن هل فعلاً تُتقى الأمواج العاتية بمجرد إعطاء الظهر لها؟! وماذا لو لم تكن مجرد أمواج؟ ماذا لو كان الظلم تسونامي يريد أن يزيل كل أثر للحياة على وجه البسيطة، فأزمته ليست فقط مع من هم في عرض البحر؟!

هنا تأتي حصافة الثائر، الذي يتمتع بحساسية شديدة تجاه الظلم، فيستطيع أن يميز من خلال نمط الممارسات القمعية إن كانت مجرد حدث عارض، أو منهج اقتلاع لكل ما يمت بصلة للصوت الحر. يميز إن كان مَن يقفون وراء تلك الممارسات مخطئون يحملون رسالة، أو مجرد حُثالة!!

        فإن رأى أن الأمر عظيم، لكنه يفوق طاقته؛ فمن حقه أن يتراجع، لكنه أبداً لن يجلس على الشاطيء بدعوى ارتفاع الموج، فالأمواج ستتحرش به بسبب أو بدون سبب، قد تدعِّي مثلاً أنه نظر إليها باستهانة، ثم تصرخ في وجهه “لماذا تحملق في؟!”.. سينفجر البحر في وجهه إن آجلاً أو عاجلاً، وسيلتهمه في أتعس صورة حتى يتمنى أن ليته وقف مع الواقفين في عين العاصفة.

 لا بأس أن يرجع خطوات إلى الوراء، لأنه يعلم أن المواجهة المباشرة عبثية، وأن عليه البحث بمكر عن نقطة الضعف التي يتسلل منها، وسيبني قدرته ليمتلك أدوات التصدي لنقطة الضعف التي اختارها. هو لا يدير ظهره ولكن يغير موقعه. هو لا يثرثر كثيراً بالحديث عن الموجة العالية، ولكن يتحدث عن الإمكانات الغائبة التي هو بصدد العمل لاستكمالها.

إن مرحلة “الموجة عالية” سيسجلها التاريخ بأحرف من طين، متعجباً ممن قالوا هذه الجملة ولم يستكملوها.. فهي مقولة تحتاج إلى استكمال.. “الموجة عالية ولن ينفعنا فيها قارب.. علينا أن نصنع السفينة، ولنصبر على ذلك وإن سخر منا من سخر”!!

إن كانت الموجة عالية، فالثورة غالية، تنبض بها قلوب كثيرة، وتمثل أحلام أجيال أقسمت ألا تتخلى عنها. لذلك تجد صنفاً ممن ردد “الموجة عالية” أفاق سريعاً، فحزم أمره وحدد كيف يتدخل بما تسمح به إمكانياته، حتى لو التقمه الحوت فهو لا يَهِن، بل ينقش بكبرياء كلمات الحرية، ملوناً جدارن بطن الحوت.

 أما البعض؛ فخانهم التقدير لما رأوا الأمواج، لم يفكروا في كيفية اتقاء الموج، والحفاظ على الثورة الغالية، واكتفوا – إبراء للذمة – بالقيام بدور هيئة الإرصاد الجوية والتأكيد على أن الموج عال، دون أن يفكروا جدياً في كيفية إدارة معارك من طراز غير متكافيء، رغم أنهم لطالما تحدثوا عن أن الثورة يبدؤها قلة.. وهي دائماً الفعل اللامعقول.. و…و…!!

كم كان المشهد مؤثراً، والقرار مخيباً للآمال.. يوم لوحوا للغالية، ثم ودعوها قائلين.. “الموجة عالية يا غالية”.

وائل عادل
7/5/2014


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.