قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 1 فبراير 2015
صخب وضجيج في أحد العنابر… فقد التحق بالعنبر وفد جديد… تعجب مما يحصل أحد النزلاء الجدد، والذي كان قد استشهد للتو.. أخذ يتساءل: هل هذه هي الجنة حقاً؟! لم أتخيل أن الشهداء يعيشون في عنابر!! بدأ ينظر للوجوه من حوله.. وجد أحدهم هادئاً هناك.. يبدو أنه هنا منذ فترة، وهو الذي يمكن أن يخبره بما يجري.. اقترب منه.. سأله: متى قدمت إلى هنا؟! فأجابه بهدوء: منذ شهر تقريباً.. سأله: في أي مظاهرة استشهدت؟ فرد عليه مستغرباً: مظاهرة؟! مظاهرة ماذا يا فتى؟! لقد انتحرت بعد أن تم فصلي من العمل!!
انتفض الفتى.. يبدو أنه وصل إلى هنا بالخطأ.. لكن هل تخطيء السماء؟! حاول أن يطرد الوساوس، فبادر بالكلام المشحون بالعاطفة.. أنا شهيد… خرجت ضد الظلم.. و..
قاطعه المنتحر ضاحكاً: إذن أنت شهيد في عنبر المنتحرين… يا للغرور!!
قال الشهيد: صدقني أنا شهيد.. بالتأكيد هناك خطأ.. أنا لم أقتل نفسي يأساً مثلك!!
قاطعه المنتحر: حسناً.. وكيف قتلتها إذن؟ أملاً في ماذا؟! السماء لا تخطيء أبداً.. الشهداء يسكنون القصور لا العنابر..
ثم أكمل المنتحر حديثه قائلاً: انظر يا فتى.. خلال هذا الشهر مرت عليّ أرواح كثيرة كانت محتجزة هنا مثلك لحين الفصل في أمرها.. أغلبها أُطلق سراحها إلى الأرض مجدداً.. بعد أن وعت الدرس.. كلها كان يتملكها العَجَب مما رأت.. أستطيع أن أجزم أن قصتك مثلهم تماماً.. فَسِمة واحدة جمعت من جاءوا قبلك إلى هذا العنبر..
سأل الشهيد وهو يبتلع ريقه بصعوبة: ما هي هذه السمة؟
فأجابه: أنهم ذهبوا للموت بدون عدة، وبدون أن يفكروا كيف سيكون لموتهم قيمة كبيرة في المعركة من بعدهم.. هم يريدون أن يموتوا فقط ليلحقوا بمن سبقهم، ويتخلصوا من عناء الدنيا. حالة من اليأس الكامل من إمكانية التغيير، والأمل الكبير في حياة أفضل بعد الموت.. صدقني يا عزيزي.. هذه كانت حالتي أيضاً يوم ألقيت بنفسي من البلكونة!!
وائل عادل
26/3/2014