الأحد, 1 فبراير 2015
آفات العقل الثوري

مهرجان الأخطاء

قسم: آفات العقل الثوري, جديد الأكاديمية
أضيف بتاريخ: 1 فبراير 2015

من الرائع أن ينتقل العقل الثوري بعد فترة من الإنكار التام لأي أخطاء إلى الاعتراف بالخطأ، وهذه خطوة مهمة  لتصحيح أي مسار وينبغي عدم التقليل من شأنها.. لكن ينبغي الانتباه حتى نتبين هل الاعتراف بالخطأ خطوة على طريق صحيح أم هو في حد ذاته تصعيد للخطأ. قد  يبدو الأمر مفرحاً في البدايات. حين نجد من يرفع لافتة واضحة تقول بكل شجاعة “لقد أخطأنا”.. هذه اللافتة بقدر ما تعكس في ظاهرها علامات البدايات الجديدة، إلا أنها قد تحمل بداخلها بذور التراجع والانكسار الحاد.

ستجد من يقول لقد أخطأنا لأننا لم نتسلح من البداية. ومن يقول لقد أخطأنا لأننا بحثنا عن التوافق على أجندة وطنية، ومن يقول لقد أخطأنا لأننا آمنا بالديمقراطية وهكذا. ولست بصدد مناقشة اعتبارات الخطأ التي يراها كل فرد، لكنني أنوه أن الاعتراف بالخطأ في حد ذاته لا يكفي لإثبات أن المسار القادم أفضل، فهو قد لا يعكس صحة في العقل. بل قد يعني انتكاسة مؤكدة. لنجد أنفسنا أمام خطأ مركب في الوعي.

قد ينشأ الخطأ بسبب سوء تقدير أو جهل أو عناد، وسوء التقدير يمكن التعامل معه، لأنه قد ينشأ بسبب افتقار للمعلومة، أو سوء تقدير للفعل المناسب. مثل أي فريق يهزم في لعبة بسبب سوء تقديره وضعف خطته. لكنه في النهاية ليس جاهلاً بقواعد اللعبة وشروط الفوز فيها.

أما الخطأ حين ينشأ عن جهل فهو ينبع عن خلل في ثقافة متخذ القرار ذاته ووعيه بقواعد اللعبة، كمن يُسأل. ماذا ستفعل لو صوب الفريق الكرة في مرماك.. سيقول مفتخراً بجهله: لن يستطيع.. لأنه إن سدد الكرة سأضربه !! هو لم يتحدث عن قواعد اللعبة وطبيعة الدفاعات.. هو يزهو بالجهل ويفاخر بالغباء.

وهذا الصنف من الأخطاء من تحدياته أن صاحبه لا يقترب من مساحة المسلمات التي تمده بمعايير الصواب والخطأ، لا يتساءل حول مدى عمق ثقافته بطبيعة وقانون اللعبة. ففي باله لعبة أخرى تماماً تمنحه اليقين. هو لن يزود عقله بالثقافة والعلوم الجديدة عليه، التي تمكنه من رؤية أخطائه بناء على منظور جديد. فإن أخطأ على سبيل المثال في كسب الناس؛ ما أسهل القول لا نريد الناس، بدلاً من الرجوع لأدبيات العمل الثوري والاستفادة من الخبرات المتداولة فيه بهذا الشأن.. في كيفية التعامل مع الناس. ومتى يلبون النداء أو يحجمون.

حين يقول المرء لقد أخطأت يتهلل وجهك أنه في طريق التوبة، لكن حين تتعرف على طبيعة الخطأ من وجهة نظره قد تكتشف أنه في الطريق للمزيد من الردة، كمن يقول لك لقد أخطأت لأنني زودت الملح في الملوخية، كان ينبغي وضع السكر، أو من يقول لقد أخطأت لأنني ذبحت الدجاجة بسكين غير مسنون، كان ينبغي أن أفجر رأسها بقنبلة!! أو يقول كان خطإي الوحيد الزنا حيث الأنوار مضاءة. كان ينبغي أن أطفيء النور.

        أنت هنا أمام استعراض لملكات الجهل. واحتفالية بالخطأ في ثوب توبة، ومهرجان للإصرار على الفشل في شكل مراجعات.

        أما العناد فهو يطمس البصيرة، ويدخل المخطيء دوامة يصعب الخروج منها. خاصة حين يقرر مواقفه من الآخرين بناء على تذكر تصرفاتهم أثناء خطإه.. فيحاسبهم على كيفية التعامل معه يوم كان في نظرهم مخطئاً، وكان في نظره مصيباً. دوامة جديدة تصيب العقل وتحدث اضطراباً في النفس، فأنت تعترف بالخطإ السابق لكن لا تقبل ممارسات من واجهوا خطأك حينها.. خاصة حين يكونون واجهوك بدورهم بخطإ آخر.. هي معارك وسجالات متصلة تدور كلها حول فكرة الخطإ.. فهل لهذه الدوامة من مخرج؟!

يمكن الخروج من الدوامة لمن يتحلون بالشجاعة والمسؤولية.. من تكون انحيازاتهم للمستقبل، فتتفوق على مرارات الماضي. ومن يعون أن معارك الخطإ المركب يصعب الوصول فيها لشيء، كل ما تفعله أنها لا تصحح المسار بل تغتال المستقبل. لذلك يكون الأفضل أحياناً في أجواء العناد عدم الاستغراق في دوامة الخطأ السابق، وإنما تحديد التصور اللاحق.

فاتفاقنا على الخطإ السابق لا يعني إدركنا للصواب اللاحق. حسناً أخطأ الجميع.. لكن ما هو الصواب؟ .. وأقصد ما الذي ينبغي عمله؟! وليس ما الذي كان ينبغي عمله.. فالاعتراف بالخطإ خطوة جيدة وينبغي التشديد على أهميتها. لكن متى يبدأ الانتقال من نقطة الاعتراف بالخطأ، لإعلان ما هو الصواب؟! فمجرد الاعتراف بالخطأ ليس مطمئناً كفاية.. فهو لا يعني بالضرورة وجود رؤية صائبة، بل ربما خطأ أكثر بؤساً ينتظر الجميع، منشؤه سوء التقدير أو الجهل أو العناد.

 وائل عادل

29/1/2015


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.