قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 1 فبراير 2015
في بعض التجمعات الثورية لا يُمنح لقب “ثائر” إلا لمن له صورة نمطية في نظرهم، فهو في الغالب شخص يقوم بمهام بطولية في الشارع، لا يتخلى عن موقف إلا وشهده.. وهو بالتأكيد يرتدي “كوفية”!!
والثائر في قاموسهم هو شخص تتجسد فيه الثورة وفق مفهوم يتلخص في عدد الساعات التي يقضيها في الشارع، حتى لو كانت الثورة تتطلب أحياناً أعمالاً غير مسبوقة، تقوم على مهارات فنية وتقنية عالية وليست اشتباكات دامية.
ثائر “الكوفية” صبغ العقل الثوري بمفهوم بائس عن الثورة، يعتبر أصحاب الياقات البيضاء أبعد ما يكونون عنها، رغم أنها أحوج ما تكون إليهم، فهم الروافع التي تبذل المال، وتشيد العلاقات، وهي العقول التي تطور التكنولوجيا وتضاعف القدرات!!
أحياناً تكون “الكوفية” هي الإجابة الساذجة على سؤال.. ماذا يجب أن نفعل؟! حيث ارتبط المفهوم الثوري لدى بعض مرتدي الكوفية بقدرة عالية على الصدام وضحالة فائقة في التفكير والمناورة…
ليس العيب بالتأكيد في “الكوفية”، لكن العيب أن تحتكر مفهوم الثورة. فالكوفية هنا ليست مجرد زي، ولكنها “مفهوم”، يعكس الوعي بمعنى الثورة، ودور الثائر، ومتطلبات العمل الثوري الناجح!!
إن الثورة لا ترتبط فقط بفكرة المواجهة المباشرة، ولكنها ترتبط بمفهوم عقلي وحالة نفسية تدفع للمقاومة وعدم الرضوخ.. بأي طريقة كانت، سواء كانت بشجاعة الأسد أو مكر الثعلب.
الثورة رحيمة بأبنائها، شديدة على أعدائها… تقبل من ضعيفها ما جادت به نفسه، تشجع كل من يساهم فيها. من تقرب إليها شبراً هرولت نحوه لتضمه إلى ناديها، بعيداً عن حراس الثورة الذين لا يقبلون إلا ثوري “الكوفية”.
إن ثوار “الكوفية” قد يشكلون – بوعي أو بدون وعي- طبقة الفساد في الثورة، هم التكفيريون السياسيون الذين يحتكرون مفهومها، ويلعبون دور الثورة المضادة حين يحجبون الناس عنها، ويحددون درجة الإيمان الثوري بفرائض لم تكتبها عليهم الثورة.. فهم ينظرون إلى الآخرين باعتبارهم ربع ثوريين، أو نصف ثوريين.. بحسب طول “الكوفية” التي يرتدونها!!
إن الثورة سلوك دائم وليست فقط معارك شارع.. حالة من الرفض والتنمر، كل يعبر عنها بطريقته بحسب موقعه، والثورة بحاجة إلى كوفية تزينها ولا تصبغها، هي شارة التحدي والمواجهة، وليست عنوان الأفضلية والصورة الواجب على الجميع التشبه بها.
وراء كل ثورة فاشلة كوفية لعينة، طمست الأبصار وحَجَّرت القلوب ونفَّرَت الناس. وإن كان ثمة شيء يجب أن يُحرق في ميدان عام أولاً؛ فليست صور المستبدين، ولكنها تلك الكوفية. التي شوهت العقل وحجبت الحقيقة.. حقيقة أن الثورة في حاجة إلى الجميع.
وائل عادل
19/3/2014