الثلاثاء, 20 يناير 2015
آفات العقل الثوري

لن يتركونا

قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 20 يناير 2015

-ما رأيك تجرب هذه الوسيلة؟ 

-لن يتركونا نفعلها وسيتصدون لها بعنف؟

-هل جربت؟

-لا.. لكن هذا مؤكد.

-حسناً.. هل ما تقوم به الآن أيضاً يتم التصدي له بعنف؟

-أجل!!

-حسناً .. وما العمل؟!

-سنستمر صامدين… مكملين!!!    

 لمست هذه الروح في الكثير من المهتمين بالفعل التغييري الثوري. حوار متكرر وإن تعددت الصيغ واللهجات بحسب كل بلد. وهي تعكس إحدى الآفات التي قد تصيب العقل الثوري في مقتل. 

فمن أبرز ما تسمعه من هذا العقل المضاد للتجربة، أنه يقول لك إن استخدمنا هذه الطريقة الجديدة سيحدث كذا وكذا، ولن يتركونا، ويبدأ في سرد ما سيفعله خصمه ضده، وبعد أن ينهي حديثه يعود إلى استخدام الوسائل التقليدية، التي لا يتسامح الخصم أيضاً معها. هو عقل لديه قدرة فذة على طرح العراقيل أمام أي فكرة جديدة تخرجه من المساحة التي اعتادها.   

ظننت للوهلة الأولى أنه عقل يتجنب المخاطر، وبالتالي يبتعد عن أي عمل غير مدروس، لكني وجدته يستحسن المخاطر المعتادة والمألوفة. ويتهيب المعاناة المحتملة وغير المؤكدة، يفضل الموجود على المجهول، وكأن هناك حالة من “إلف المعاناة” بنمط معين لا يراد تغييره، مع اليقين بأن هذه المعاناة لا تتبعها نتائج مُرضية!! 

كم هو مريح للخصم هذا العقل الثوري!! فإن كان الخصم حتماً سيواجه المقاومين، فالعقل الثوري المريح لا يكبد خصمه حتى عناء مواجهة شكل آخر لم يعتده من أشكال المقاومة. هو يقطع الطريق من البداية أمام أي فكرة جديدة.. والحجة .. أن الخصم حتماً لن يتركها. هو حتى لا يضع الخصم في اختبار ذكاء وحيرة ذهنية تتعلق بكيفية التعامل مع الموقف الجديد. وكأن شعار المقاومة الموجه للخصم “راحتك… أولوية لدينا”.. “نتظاهر من أجلك أنت”.. “نأسف للإزعاج”.. حتى كادت تضع في نهاية المسيرة “صندوق شكاوى” لتقدم فيها القوات القمعية شكاواها إن كان هناك أي محتج رفع صورة غير متوقعة، أو ناور بشكل يمكن أن يربك قوات القمع وربما يسبب لها أزمة نفسية!!   

تملكتني الحيرة.. ترى لصالح من يعمل هذا العقل؟! ولماذا لديه استعداد دائم لإنهاك صاحبه، وليس لديه أي استعداد لإتعاب خصمه من خلال وضعه أمام محك جديد؟!  

إن العقل الثوري الناضج يتقمص طريقة تفكير الخصم، ويضع نفسه مكانه، من أجل صياغة التصورات المناسبة للتعامل مع ردود الأفعال المتوقعة، لكنه لا يفكر بالطريقة التي يدفعه خصمه للتفكير بها، ليصيح دائماً.. “لن يتركونا”.. هو يفكر بطريقة الخصم ليكتشف الثغرات لا ليصنع العقبات في الدماغ. هو يناور ويجرب الجديد، ويختبر عملياً ردود الأفعال، ولا يسلم بها قبل أن تقع، خاصة في الأعمال غير المجربة من قبل. هو عقل يعتز بمفهوم “التجربة”، ويرى أن الوصول إلى المسار الفعال يتطلب عملاً ذهنياً وتجارب ميدانية. وهو مستعد لدفع تكلفة اكتشاف المسار الجديد، وحريص على اختبار طريقة تعامل خصمه مع نمط الفعل الجديد. 

إن معسكر المقاومة قد يمتليء بأحجار العثرة، التي يمثلها أولئك الذين يتهيبون التجربة وينتصرون للتكرار الممل. عراقيلهم قد تفوق عراقيل النظام الفاسد، لأنهم يفلسفون المطبات، ويُنظِّرون لعدمية التفكير في أي محاولة غير مألوفة. هؤلاء قد يكونون أشد خطراً من الخصم، فالخصم قد يستفز فيك روح الابتكار وإعمال العقل، وهؤلاء ينقلون إليك عدوى الجمود والسير نحو الموت بسلام.   

 تعكس طبيعة الحراك التغييري نمط العقل المهيمن على المشهد، وشتان بين عقل يقول “لن يتركونا” وآخر يقول “لن نتركهم”، عقل يحتج على السلطة بينما هو مؤمن بأنه في قبضتها، وآخر يقاوم السلطة ويراها في قبضته. عقل هويته الاستقرار لكنه يرفع علم الثورة، ولا يحسن لغتها ويتلعثم فيها، وآخر جنسيته ثورية بامتياز، فهي موطنه الأم ويتحدث لغتها بطلاقة.

  وائل عادل    

26/2/2014


اترك تعليقك




جميع الحقوق محفوظة لـ أكاديمية التغيير Academy Of Change | تصميم وتطوير: سوا فور، المؤسسة الرائدة في تطوير تطبيقات الويب.