قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 6 مايو 2017
"أنا الآن لا أقود.. الشباب في الشارع هو الذي يقود".. مقولة خالدة لقائد رجمه أتباعه..
بالفعل تعرف مناهج التغيير القيادة اللامركزية. وهو ليس مجرد نمط قيادة، ولكنه قبل كل شيء نمط ثقافي داخل الكيانات التي تنتهجه. فهو يتطلب ثقة عالية من القيادة في القواعد. وهذه الثقة ليست نابعة من فراغ. بل ترتكز على وعي ناضج في قواعد الكيان، سواء على مستوى استيعاب مفاهيم وفلسفة التغيير، أو استراتيجياته وتكتيكاته.
والتحول فجأة من المركزية إلى اللامركزية ليس بالأمر اليسير. لأن الموضوع لا يرتبط فقط بتغيير الاستراتيجية، ولكن بتغيير ثقافة بأكملها، وأحياناً تغيير الأعضاء أنفسهم بآخرين يتمتعون بالجرأة واستقلال العقل، ولا يؤمنون بأحد يفكر نيابة عنهم، فيحسنون التفكير والعمل عبر اللامركزية.
على عكس من تربى على اليقين بوجود خطة حتمية لدى القيادة، حتى أنك ترى القواعد في عمومها ليست لديها رغبة في أن تعرف الخطة. حتى الفضول مقتول في الشخصية. وهي راضية بتعطيل جزء من الدماغ. ومنسجمة تماماً مع هذه الحالة. مثل النمط السائد في الكيانات العسكرية.
وحين يُدفع هذا الصنف من الجنود فجأة إلى أن يقود بلا أي إعداد مسبق؛ نكون أمام جريمة تُرتكب في حقه، تتطلب محاسبة قائد هذا الكيان. وهي جريمة مزدوجة. جريمة عدم الإعداد المسبق، ثم جريمة تسليم الشباب الراية والفخر الزائف بذلك. فالقيادة تفتخر قائلة لقواعدها… "اليوم أنتم القيادة".. لكن هل هكذا تسلم القيادة؟! آلآن وقد غرقت؟! حتى أنك تحتار.. هل القيادة تسلمهم الراية أم ترمهم بها؟! هل هذه راية أم خازوق؟!
فعندما ينزل شباب إلى الشارع ولا يحمل سوى الغضب، دون أن يتسلح بالمفاهيم حول طبيعة الشعوب وكيفية حركتها، أو كيفية صناعة الاستراتيجيات والموازنة بين الأهداف والقدرات، أو الوعي بمناهج التغيير وكيفية عملها؛ تجده مضطرباً بين مناهج التغيير، يصوب سلاحه نحو صدره. فهو يسب الشعب الذي يفترض أن يكسبه، ويزيد الفجوة بينه وبين من يريد لهم أن يصطفوا معه. زائغ البصر بين الكفاح اللاعنيف والعنيف، تتنازعه قصاصات تجارب التغيير من هنا أو هناك. كلما وجد تكتيكاً صغيراً يظن أنه المخرج قال "هذا ربي هذا أكبر".. فهو لا يحمل منهجاً متماسكاً للتغيير قد أعد نفسه له. يظن الأمر مجرد تقنية، دون أن يعي الأسس التي يقوم عليها كل نوع من الكفاح.
وهو معذور في ذلك الاضطراب. لأنه أشبه بمن رمته القيادة من طائرة على ارتفاع شاهق، وزودته بمظلة دون تدريب أو حتى أي دليل إرشادي. كل ثقافته من قصاصات فيلمية عن مشاهد مشابهة – كان يشاهدها دون علم القيادة – لأبطال قفزوا بالمظلات.. صور مجتزأة وكثيراً ما تكون حالمة، حيث يُقَبِّل البطل البطلة وهم في أعالي السماء قبل أن تُفتح المظلة.. نعم .. هذا حدث في معظم الأفلام الناجحة.. فلم لا نفعله إذن؟!
لكن الصدمة تكون كبيرة.. حين يجد نفسه محاصراً بين الفزع من الجاذبية التي تريد ابتلاعه بسرعة مخيفة، وبين توتر البحث عن كيفية عمل المظلة. والأمَّر أنه لا توجد فاتنة يقبلها.. ليس سوى صورة القيادة الملعونة تطارده حيثما مد بصره في السماء. وأخيراً تصيبه خيبة الأمل حين يكتشف كيف يفتح المظلة ثم يُفاجأ أنها مقطوعة!!
فالقيادة المركزية كانت قد أعدت خطتها على أن يتسلم كل شخص مظلة مقطوعة في مقابل أن يأخذ مظلة سليمة حين يحين تنفيذ الخطة… وذلك حتى لا تسول لأحد نفسه أن يقفز وقتما يشاء. فانتهى مصير حركة "القفز بالمظلات" إلى "القفز بالفانلات".
وائل عادل
2-10-2014