قسم: آفات العقل الثوري
أضيف بتاريخ: 6 نوفمبر 2014
من أسباب قوة المجتمع تطور محرك النقد فيه، فالنقد أحد المحركات التي تؤدي إلى استمرار عملية التطور، والخلل في هذا المحرك يعني غياب عقل المجتمع وفرصه للتطوير والاستفادة من التجارب التي يمر بها المجتمع نجاحاً وإخفاقاً.
ومن أفكار المشاريع النقدية أن نجيب على سؤال: ماذا جرى تحديدا؟! ولماذا؟! وهذا السؤال قد تكون إجابته مفيدة أكثر للأجيال التي لم تشهد الأزمة.. فالجيل المعاصر يغلب عليه التشنج والقراءة التي تنتصر للنفس وللاختيارات المُرة!!
لكن من حق الدفعة الجديدة التي لم تنزل بعد ساحة الفعل السياسي والاجتماعي أن تعرف القصة من أكثر من راو، وأن تسمعها من كل الأطراف على السواء. هذه المناظير المتعددة تفيد في أن يعرف القارئ كيف كان كل طرف يرى الآخر. ليس هدف المشروع أن يحكم من المصيب ومن المخطئ، فهذا متروك لتحليل كل شخص. ولكن الهدف هو وضع اليد على الأفكار والدوافع المنشئة لسلوك كل طرف.
ويمكن أن يبدأ هذا المشروع من مجموعات مهتمة بالعمل الفكري، تخصص مساحة عبر الإنترنت يسجل فيها كل شخص شهادته على الأحداث، ويمكن عمل أوزان نسبية للرواة بحسب قربهم من الحدث الذي يروونه، فشهادة القريبين من متخذي القرار لها وزن يختلف عن شهادة الشخص البعيد وهكذا.
المهم أن يُفتح مجال الكتابة لكل طرف، وتصنف الموضوعات بحسب الأحداث، والقضايا المهمة في تاريخ المجتمع، فقد ترتبط الشهادة بحدث جزئي مثل فض اعتصام، أو ترتبط بطريقة التعامل الكامل مع ملف من الملفات مثل طريقة إدارة الدولة، ويمكن للفكرة أن تتطور بأشكال كثيرة تضمن أن تكون مُحكمة وتعكس قدر الإمكان ما جرى من زوايا نظر مختلفة.
فلن تخبرك الرواية الأحادية من طرف واحد، كيف كان الآخرون ينظرون إلى هذا الطرف، وعلى أي أساس كان اتخاذ القرارات، لأنهم في نظره في الغالب شياطين متآمرون.. هكذا تنظر الأطراف إلى بعضها البعض ببساطة.
إن المجتمع القوي لا يهدر تجاربه لتصبح مجرد حكايات على المقاهي، أو قصة كفاح نبيل يرويها المنتصر، أو إغراق في شيطنة المخالف وفق رواية المهزوم. لذلك فمن ينتدبون أنفسهم لتأسيس هذا المجال النقدي يعلمون أن من حق المجتمع أن يعرف. ومن حقه أن يسمع من كل طرف.
"حصل إيه؟" هو مشروع الرواية المجتمعية، تشارك فيها السلطة دون أن يكون لها أفضلية، وتشارك فيها كيانات المجتمع دون أن يطغى طرف على آخر في حق الرواية. هي الروايات المتجاورة. التي تظهر مشهد تضارب الروايات أو زوايا النظر المختلفة لذات الرواية. وهو نفسه المشهد المضطرب في ساحة الفعل.
وبذلك يحفظ هذا المشروع التاريخ من أي رواية سلطوية، كما يحفظ الحاضر والمستقبل من أن يكون الجيل القادم مجرد امتداد لمعارك آباء في كل طرف لم يسمعوا أو يروا إلا أنفسهم، فكانوا أقرب للعمى من البصيرة، ويريدون أن يخزقوا أعين المواليد الجدد ليكملوا مسيرتهم.
كما سيسهل ذلك المشروع على الباحث أن يجمع كل ما كُتب أو قيل حول حدث معين أو قضية يريد جمع كل وجهات النظر حولها.
وسيحارب كل من يريد احتكار الرواية هذا المشروع في البدايات. فلا يريد للناس إلا أن تسمع روايته هو. لأنها ربما لو نقلت كل الروايات من الزوايا المختلفة لاختلفت المسارات التي ينحاز إليها المجتمع. ولأبدع حلا غير المطروح من الأطراف المتنازعة.
هذا المشروع هو بذرة ميلاد مجتمع جديد يعرف قبل أن يتحيز. فمن حق الدفعة الجديدة من الشباب الذي لم يضع قدمه في الساحة بعد أن يعرف كيف بدأ الخلق.. كيف وصل المجتمع للمعادلة التي يراها الآن؟
وائل عادل
6-11-2014